{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة "دماء لن تجف" في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
الشهيد الكوردي علي عسكري، من قيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني، أخذ لقبه، من القرية، التي رأى فيها النور وإستنشق نسائم الجبل وعبق الوادي، في رحابها.. قرية "عسكر" العام ١٩٣٦.
لم يعدُ عام ولادته كثيرا، حين انضم الى اتحاد طلبة كوردستان، وهو لم يزل طالباً في المرحلة الاعدادية، بكركوك، متشبعا بروح الانتماء للناس من حوله، بما هباه الرحمن، من جبلة قيادية، بالفطرة.
يعنى بالآخرين، من تلقاء شهامته، ييرهم قبل ان يستجيروه.. متدرجا في الولاء للقضية، حتى اصبح عضواً في الحزب الديمقراطي الكوردستاني.
بادينان
إستقر الوضع الوطني العام، او لم يستقر، بعد ان هزت بعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨، أركان البلد، من قواعد بنائها؛ فأصبح عضواً في لجنة كركوك للحزب الديمقراطي، وفي المؤتمر الاول للحزب.. ١٩٦٠، انتخب عضو لجنة مركزية.
وضع مؤهلاته، بخدمة العراق عموما وكوردستان خصوصا و"الديمقراطي" أشد تخصيا، حين أنيطت به مهمة قيادة الحزب في "بارزان" لترتيب قواته؛ بغية المشاركة في حماية المنطقة.
"بارزان" التي حل فيها، عسكري، ممثلا لـ "الديمقراطي الكوردستاني" تحتمي بطبيعتها التي حباها الرب، جبالا منيعة وشعبا كورديا ذا جلادة أمنع، تواصلوا مع عليا، في سبيل نجاح مهمت، التي أفلحت فعلا.
الإستشهاد نفيا
إنطلقت ثورة "ايلول" فتسلم الشهيد منصب قائد قوات "البيشمركة" في "بادينان" ماكثا هناك حتى العام ١٩٦٢، يتنعم بربيع الرجولة الدائم، يقهر تقلبات المناخ.. صيفَ شتاءٍ، يلعب دوراً بطوليا، على أرض الميدان، أثناء الملاحم، منتصرا بإلتفاف الثوار حوله، يقتحمون الردى، فيردونه.
انضم الى جناح المكتب السياسي للحزب، العام ١٩٦٤، لكن شاءت الإرادات الملتوية، ان تقصم ظهر الثورة، بإعلان توقيع اتفاقية الجزائر المشؤومة، التي إضطرت علي العسكري ورفاقه على العودة الى كوردستان، مؤسسا منظمة "الحركة الإشتراكية".
قربته تلك الحركة، من مبادئه، التي نذر نفسه لها، مواصلا ما شد عزيمته لأجله، إلا أنه نفي من قبل الحكومة العراقية الى المناطق الجنوبية، لا يشتي في ربوع دفئها، إنما ليللظى بصهد حرارة شمسها اللاهبة حريقا، كنوع من عقوبة، أشد من قسوة السن والاعدام.
أحداث تتسارع
مضت دواليب السنين، دائرة، على رأسه، تصب بثقل صخر ذائب يلسعه حطاما، الى ان أعيد تأسيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، ثانية؛ فإتصلت قيادته بالشهيد عسكري، ليقينها من أنه منذور للنضال، منذ فجر الخليقة.
إنضم لقوات البيشمركة، ظهيرا متقدما، يسبق الصفوف في الوغى، ومقداما يحرس رفاقه إذا ما إستدبرهم عدو.. لا سمح الله.
بعيدا عن حومة المعركة.. مدنيا، أنتخب عضوا في المكتب السياسي للاتحاد، وقائداً لقوات البيشمركة، في الإجتماع الأول.
ظل سادرا في الذود عما تحقق من مكاسب رجولية، للكرد، حتى إستشهد، في العام ١٩٧٨، أثناء القتال ضد جيوش البعث وسلطانهم الجائر.
ترحمت طيور القبج، على روحه، وسجدت اشجار البلوط لله تلتمسه الجنة.. كما وعد الشهداء.. للبطل علي عسكري، وريث وصية الفقراء والمظلومين، من كرد وعرب.. شيعة وسنة، من دونما تمييز
مقالات اخرى للكاتب