منذ أكثر من عام و نصف عدت الى بغداد ، فوجدتها تبكي على خرائبها ، في ذلك الحين أستذكرت بيت الشاعر أحمد الصافي النجفي الذي عاش جل عمره في لبنان ، بيد أنه لما وطأت قدماه أرض بغداد عائدا" ، أنشد بمرارة و حسرة : ( يا عودة للدار ما أقساها – أسمع بغداد و لا أراها ).
بغداد ، لم تُعد بغداد منذ الإحتلال الأمريكي و ملاحقه السياسية التي أستولت على السلطة الزائفة ، و من خلال هذه السلطة إنهمكت في الفساد من أخمص قدميها الى أعلى رأسها ، و كأن مجيئها مع الإحتلال ، إنتقاما" من العراق الذي تفسخ نسيجه الإجتماعي الى مستويات دنيا ، فإذا كانت العاصمة بغداد بهذا التدني السياسي و الإجتماعي ، فإن باقي المحافظات لم تكن أحسن حالا" منها ، ما عدا المحافظات الكردية التي أحسن المسؤولون الأكراد في تطويرها الى مستوى يضاهي المدن الأوروبية ، بل أن مدينة أربيل و الحق يُقال تتفوق حتى على بعض المدن الأوروبية ، أقول كلامي هذا ، و كاتب السطور في نفس الوقت يعارض الإنفصالية الكردية و سياسات تقطيع أوصاله بهذه الفيدرالية أو الكونفيدرالية أو إنشاء الأقاليم ، إعتمادا" على ما تضمنه الدستور الذي أعده حقيقة ، مستشار ( المحافظين الجدد ، الصهيوني نوح فيلدمان ، حسبما هو شائع ! 0
في هذا الوقت ، و بعدما أتضح أن العراق بفعل سلطة أو حكومة المالكي و حاشيته التي أستوطنت المنطقة الخضراء في بغداد ، هو ( دولة من ورق ) و أن هذه الحكومة تتمنى عودة الإحتلال الأمريكي من جديد ، تخلصا" من فضيحتها السافرة من جراء سيطرة ( داعش ) و الفصائل المسلحة الأخرى على نصف مساحة العراق ، في حين أنتهز الأكراد هذه الفرصة و سيطروا على مدينة كركوك الغنية بالنفط ، و أجزاء أخرى من محافظتي نينوى و ديالى ، و أعلنوا صراحة و على رؤوس الأشهاد ، أن الوضع السائد و الحاضر لن يعود الى ما كان عليه في السابق.
نعم ما زلت ، أقول مرارا" و تكرارا" أن النسيج للمجتمع العراقي متفسخ في جانب كبير منه ، كما أنه أيضا" يفتقد لكثير من الحس الوطني ، و الدليل هو إنتخاب كتلة المالكي ( دولة القانون ) بأعلى الأصوات ، كدلالة واضحة على عمق و إتساع هذا التفسخ ، خصوصا" و أن هذه الكتلة بنفسها الطائفي و الإقصائي و الضيق الى أبعد الحدود ، و عبر ثماني سنوات عجاف ، أعادت العراق الى القرون الوسطى ، و حاربت كل مشاهد التحضر و التكنوقراط ، و أبتعدت عن الحاضنة العربية ، حيث لم يُعد للعراق عنوانا" عربيا" ، و إنما بدت عناوينه وفق التالي : العراق الإيراني ، العراق الكردي ، العراق الأمريكي ، العراق الإسرائيلي !
مقالات اخرى للكاتب