تنفصل محبة ليث مزبان، والتفاؤل الذي تبعثه ذكراه، في وجداني، عن الظرف العصيب، الذي تعارفنا خلاله؛ فوسامته واريحية شخصيته، فاقت ضنك السجن الذي قيد مشاعر المعتقلين.
ليث.. شخص مهم في حياة كل المعتقلين الذين سعدوا بوجودهم معه، بل هان السجن وقسوة السجانين؛ بما اضفاه ابن مزبان على اجواء سجن ضم بين جدرانه اعضاءً في حزب الدعوة.
جمعني معتقل الفضيلية، بليث مزبان، في العام 1981، مكروبين نقتعد جور الارض ونلتحف بطش السقوف والجدران ترص ارواحنا حتى تزهق من الاجساد، واذا بشاب فائق الوسامة، في الرابعة عشرة من عمره، يطل علينا، ممشوق القوام حاد الوسامة، ذو عينين ملونتين، تزيدانه اقتربا من نفوس المبهورين بطلته.. صار جزءا من المديات المفتوحة على فضاء الوهم في ضيق المعتقل.
مجاهد نذر حياته لخدمة الناس عموما وعائلته خصوصا.. ما جاء الى السجن، الا لانه وضع حياته في خدمة القضايا العامة، اما الاقربون فاولى بدمه وروحه وليس المعروف فقط.
مؤدب.. جنتلمان، لكن لا يضيع له حق، يعرف كيف يأخذ ما له، من دون المساس بما للاخرين، ويزيدهم... شجاع، تفوق على ذاته الغضة، في الانتماء لحزب الدعوة، وهو لم يزل في عمر مبكر، يعي من طروحات الجهاد ما يسمو عن صغر السن ورهافة الادراك.
اطلق سراحه، منتصف الثمانينيات، فهرب من العراق الى ايران، مصطحبا امه واخواته السبع، اللواتي اختاره القدر لرعايتهن، و... خير ما اختار القوي الامين.
سجنوا بسبب فرار شقيقه تجاه ايران، تاركا اياهم، نهب عقاب الطاغية المقبور صدام حسين، الذي ما كان يكتفي بمعاقبة المعترض عليه، انما يلوي ذراعه بذويه.. الشجاع لا يقبل النجاة بنفسه، تاركا اهله لعقاب صدام وسوى ذلك، يقبلون! وشقيقه من الـ (سوى) الذين يقبلون لامن صدام يجرجرون امهاتهم ويستحيون اخواتهم في المعتقلات نظير عيش رغيد خارج العراق الذي جثى عليه كابوس حرب هوجاء شنها صدام على ايران والزم الجميع بالدفاع عن نزوات عدي في احضان المومسات.
شقيقه يحمل نقائض ليث.. جبان سيء الطبع والخلق، وصولي، لم يعن بالمصير الذي لحق باهله جراء هروبه، كاذب تبرأ عن اخواته حتى بعد ان التحقن به في ايران، والتزمهن ليث.. يعمل كادحا برغم صغر سنه، ومتطلبات العمل التي فاقت قدراته...
في نهاية الثمانينيات، مكن الله عبده من الاقامة في المانيا، ساحبا امه واخواته وراءه، موفيا عهد الله امام وجدانه...
يعيش ليث مزبان، حاليا في مدينة (فرايبورك) الالمانية، على المثلث الفرنسي السويسري الالماني.. منطقة صغيرة تتناغم مع جمال روحه ووسامة طلعته.. تضم المانا اصلاء، اجاد اللغة الالمانية باتقان، لاختلاطه بهم، رغم عدم تعلمه، فزهرة شبابه تبددت بين المعتقل والهروب خارج العراق وملاحقة لقمة العيش الشحيحة على الغريب.
المعاناة لم تثلم كرم ليث ولا عزة نفسه ولا احترامه للاخرين ورعايتهم.. يهوى مساعدة المحتاج وغير المحتاج على حد سواء، لا يشح اذا ركبت الناس بقرات يوسف السبع العجاف.. واهبا حياته لهم.
ابلغني صديق في بغداد، ان ليثا يود رؤيتي، فزرته وهو اهل لتحمل عناء السفر.. تطوى في حضرته المسافات، وجدته ما زال مضيافا كريم النفس واليد، برغم عدم وجود وفرة زائدة عن الكفاف لديه.
عدت من زيارة ليث مزبان، بعد طول النوى، مطمئنا الى ان الشاب الوسيم، ذا الاربعة عشر عاما، ما زال اقوى من فضاءات السجن الذي اتسع ضيقه من حولنا بمجيء ليث.
عبدالله محوري 
07/07/2013 - 09:32
البداية
السابق
