وأنا أعاين حضور مجلس لنواب لأداء اليمين الدستورية، خطرت لي فكرة في عدّهم بطريقة الفصائل العسكرية!، قلت مع نفسي، والعالم ينشغل في رؤية أخرى: ترى كم من فصيل مقاتل يمكن أن يتشكّل من أعضاء مجلس النواب؟. وليس السؤال للجدل، ففي ظل ظرف معقد وشائك، كنت أعني علاقة أخرى بين واجب الجندي في ساحة المعركة، والواجب المعنوي القتالي لكل نائب، لأن اليمين الدستورية لا يقبل الجدل ولا التأويل، حيث يشترط الدستور على كل نائب ترديده قبل أن يباشر عمله، وبصيغة حرفية، أتمنى على القارئ الكريم معاينتها بدقة : (اُقسم بالله العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص، وان احافظ على استقلال العراق وسيادته، وارعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وان أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحياد، والله على ما أقول شهيد).
بعد هذا النص الممتع، السؤال هنا: ترى هل أدى النواب مهامهم ومسؤولياتهم القانونية في الجلسة الأولى؟. وهل ما ترك لدى الناخبين، وعموم الشعب، من انطباع وأثر، يدل على هذا المنحى والمسير؟. وحقيقة الجواب ستوصلنا لنتيجة صعبة، توحي بأن جميع الحضور في تلك الجلسة انتهوا إلى شعور عدم الرضا والموافقة على ما حصل، ولكن كلّ بمقاصده ونيته وهو يئن على غايته ومراده، رغم إن ما يريده بعضهم - في نفسه- يخالف يمينه وتعهده، ويخالف طموح من أنتخبه، ويخالف الدستور ويخرقه، حين لا يسعى في أداء مهمته ومسؤوليته بكل إخلاص، للحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها، خاصة ونحن نعيش ظرفاً معلوماً إذ أصبحت مناطق واسعة من البلاد في ما يعد محتلاً من قبل الإرهاب ومن يسانده.
ربما ستتناهى إلى أي ضمير وطني حي تلك المقارنة بين وضع الجندي الذي يقف في ساحة المعركة ولا يبرح موضعه القتالي، وبين نائب يفرض عليه ما أبرمه من يمين وتعهد، جعل مقعده البرلماني منطلقاً سلمياً للمواجهة، ورعاية مصالح الشعب، والسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديموقراطي الإتحادي. وها هي الأرض محتلة والثروات مهددة، وها هم قد تفرقوا كل إلى سبيله.
ربما سيقول قائل: أي مهلاً، لعلّ الذي فرّقهم سيجمعهم إلى خير بعد طول تشاور وتداول مع كتلهم وأحزابهم. فيحق السؤال أمام تلك المقولة: ترى هل يدرك النائب، إن حزبه وكتلته لم تؤدي ذلك اليمين ، بل هو من أداه ومن ألزم نفسه أمام ربّه وشعبه، وسيلقى ما يخالفه موثقاً و محضراً، في كتاب السماء، وفي ضمائر الناس التي لا تغفل صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها؟.
وإن كانت الدورات الانتخابية السابقة، مرّت وطوت وقائعها، ألا يحتم الظرف الآن التعامل بآلية مصيرية مختلفة، تبدأ من إلزام اليمين؟.
مقالات اخرى للكاتب