لمتقين ، ومن تاجر سجائر يريد أن يرتفع رصيده ويعلو رأسه ، ولكن على جماجم الضحايا المقهورين .
وليس غريباً أن تقرأ هذه الأيام ، طبقاً لفقدان الحياء ، قصصاً مخزية مخجلة ، وتسمع أصواتاً عالية تنادي بالظلم والمظلومين من صالات فنادق فوّاحة بالرحيق ، وعيونهم تبكي بالدموع الغزار على أطفال لا يجدون علبة حليب تحت القصف والحصار . بينما هم يدعون الله ليل نهار أن يستمر فتح القبور ، ويستمر ذبح الأطفال ، ويستمر ذبح العراقيين ، بل أنهم يجدون في هذه الوليمة العامرة بأصناف اللحم البشري الطازج سعادتهم الغامرة ، ولذتهم الكبرى .
إنهم يتاجرون بعيون الشهداء ، وبأكفانهم ، وبأسنانهم ، وبعظامهم ، في وليمة مفتوحة سائبة إلى يوم الدين .
فقدان الحياء هو من وضع شعباً بأكمله في ذروة المأساة الإنسانية ، وطردهم من ديارهم ، واغتصب بيوتهم ، ونهب ممتلكاتهم ، فكانت الخطوب والأهوال .
لا تحتاج الصور المفجعة الوافدة إلينا من كل بقعة في أرض العراق أن تغمض عينيك طويلاً ، أو تلبس نظارة سوداء لكي لا ترى .
ليس للحقيقة وجهان . إنها صور محزنة . قاسية . مستفزة . من أشلاء وأنقاض ونعوش وخرائب تخلع القلب . صور من كوابيس لم تخطر في بال فرانس كافكا الكاتب المعروف برواياته المفزعة . صور عن انتحار جماعي غير قابلة للتكرار . يعجز عن تصديقها العقل لو بقي هناك عقل .
أليس من العار أن يسكن مليون عراقي في مخيمات ، أو ما يشبه المخيمات ؟ أن يتحول بلد بأكمله إلى جمعية لدفن الموتى ؟ أن يتمدد أبناء الخائبات في الشوارع في جثث مجهولة مهجورة ؟ شباب يموتون ، وآخرون أحياء يُجبرون على أن يحفروا قبورهم بأيديهم .. ونحن نفقد أبناء ، ونفقد أخوة ، ونفقد أهلاً ، ونفقد أمناً ، ونفقد سلاماً ، ونفقد عدلاً ، وندفع الثمن غالياً من حياتنا ؟.
ومهما يكن من أمر الرثاء والهجاء معاً في هذه الجوقة السياسية ، فإنها بكلمات صريحة ، مختصرة : لا تخاف الله ، ولا تستحي من البشر .
لقد قرأنا في علم السياسة ، أن أول مبرر لقيام أية دولة أن تحافظ على ترابها الوطني ، فإذا لم تستطع أن تحافظ على هذا التراب ، سقطت وسقط مبرر وجودها .
تسأل : ماذا سيذكر العراقيون من هذا العهد الجديد ؟ ماذا سيروي الجيل القادم من قصص الانحطاط والانحدار ؟ من هذا الغليان الطائفي والمذهبي وحرائق الحروب الأهلية ؟.
لقد نفد صبر الصابرين ، ولا زالوا في انتظار من يفرج عن حريتهم ، ويعيد إليهم شيئاً من كرامتهم ، التي اغتصبها فاقدو الحياء .