في موضوع الكهرباء في العراق سرّ لا يعرفه الا الله والراسخون في حقيقة هذه المعضلة التي لا تبدو قابلة للحل .كأن أيادي خفيّة مهمتها منع حل هذه المعضلة لابقاء العراق متخلفاً وإنسانه معذباً. ولا يبدو الفساد وحده ، رغم ضخامة حجمه، مسؤولا عن عرقلة الحل، ولا الروتين وتخلف القوانين والتعليمات وتضاربها وعدم تلبيتها لحاجة العراق في هذه الظروف هي وحدها المسؤولة عن استمرار الانين من غياب هذه الحاجة الانسانية التي باتت ركناً أساسياً للحياة البشرية ولا تشكو من غيابها الا الدول المتخلفة ، أو التي يراد لها ان تتخلف .
أقارن بين وضعنا في العراق ووضع لبنان فأرى أوجه شبه عديدة ، بينها بقاء الكهرباء معضلة وشغلاً شاغلاً للناس والصحافة ومنغصاً لحياة الناس بعدما بات طموحهم أن ينعموا بساعات كهرباء أطول . هناك أنفقوا عشرات مليارات الدولارات على اعادة الكهرباء بعد انتهاء الحرب الاهلية عام ١٩٩٠ ، وما زالوا يعانون من المشكلة ذاتها ، وما زال المسؤولون هناك يتحدثون عن نقص الوقود في محطات التوليد ، وعن اهتراء الشبكات وعن الفساد . حتى عندما يتصدى مسؤول نزيه ويحاول ان يسجل امتيازا لكتلته أمام الناخبين بحل هذه المعضلة ، تراه يصطدم بأكثر من عقبة تحبط مساعيه . تماما كما حصل ويحصل عندنا رغم أن بعض المعوقات عندنا يدعو للضحك المرّ خصوصا عندما يعلن وزير الكهرباء مثلا أن نقص الوقود يسبب توقف بعض المحطات ، وتسمع في التفاصيل ان وزارة النفط لا تزود وزارة الكهرباء بالوقود لان الاخيرة لم تدفع ثمن شحنات سابقة ، ثم “يبشّرنا” مسؤول بأنّ “المصالحة” تمت بين الوزارتين بعدما وفرت الحكومة مبالغ لتسديد ديون وزارة الكهرباء لـ”أختها” وزارة النفط. يا لها من عائلة مفككة لا تراحم ولا تعاضد بين أبنائها. اليس مضحكاً هذا الوضع؟
سبب آخر لبقاء معضلة الكهرباء حتى الان هو عدم خصخصة إنتاج الكهرباء الذي بات ، حتى في دول شرق أوسطية واحدا من شؤون القطاع الخاص فيما تتولى الدولة التوزيع عبر شبكات تبنيها وتقوم بصيانتها. كانوا يتحججون بغياب التشريع لكنهم لم يتحركوا باتجاهه الا قبل عامين وما زال معلقا . فرص عديدة فوتتها الحكومات السابقة برفضها عروضاً لشركات عالمية لانشاء محطات توليد الطاقة بينها عروض شركات ألمانية تعتمد تقنيات استخدام القمامة كوقود لمحطات التوليد فيكون المشروع متكاملاً ومزدوج الفائدة : جمع القمامة وانتاج الطاقة الكهربائية . قابلها المسؤولون بالاستهزاء فكانت النتيجة أن مدن العراق ظلّت تغرق في الظلام والقمامة معا .
حتى لو فتحوا باب الاستثمار الخاص في التوليد ، ستظهر أمامنا مشكلة خطوط النقل وشبكات التوزيع وهي مهترئة ولا تتحمل العبء الحالي. منذ سنوات ونحن نسمع هذا فلماذا لم تتحرك وزارة الكهرباء لتحديث الشبكات خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية ؟
سيأتيك الجواب بانه الروتين والفساد وقلة الكفاءة وغياب التشريعات وتضارب التعليمات والقوانين ووووالخ . كلها صحيحة وموجودة لكن كيف السبيل للخروج منها ؟
في دول مثل العراق بدماره وتخلفه الاداري والتشريعي ، وغياب الضمير لدى كثير من سياسييه ومسؤوليه ، وشدة المناكفات وحملات التسقيط بينهم ،لا يمكن ان نشهد حلّاً لمعضلة أو علاجاً لمشكلة حتى لو كانت أقل من الكهرباء بكثير . نحتاج سلطة مركزية بصلاحيات مفتوحة تضرب عرض الحائط كل القوانين والتعليمات المعيقة وتشرف مباشرة على تنفيذ خطط يضعها خبراء أكفاء .
لو توفر كل هذا ، فان فرص “الايادي الخفية” في إدامة المعضلة ستكون ضيقة .
مقالات اخرى للكاتب