الخميس الاول: "أعطني خضرة حجّية واهم شي الريحان"
امرت ابنتها الصغيرة ان تهيّئ الباقات؛
انقدها عشرة آلاف دينار وقال لها احتفظي بالباقي
دُهشت كأنها في صدمة!
ودهش من دهشتها!
فالعشرة لا تعني شيئا
ولكنها بالغت في الدعاء له والشكر حتى كره ذلك منها.
خميس ٢: عندما رأته ارتبكت " سوده علي ما بقي ريحان وانتَ تحبه" ما ادري تجي،
قدّر كثيرا قلقها من اجله.
قرر ان يعطيها ٢٥ ألفا هذه المرة لانه رأى عبائتها الممزقة ولونها الصدأ. ولاحظ هذه المرة البنت التي تلف نفسها بعباءة اشد نحاسية؛ كانت البنت أميرةً جميلة الملامح بوجه ضاحك وضاء، لولا ما لفّه من ذل الفقر وقلة العناية.
ملامح الطيبة تطغى على الام وملامح البراءة تلفُّ الصبيّة من كل جانب.
هو لا يمر من هذا الطريق الا في الخميس حوال الحادية عشرة صباحا بسبب جدول عمله.
خميس ٣ و ٤: لم ينزل من سيارته كرها منه لشكرها المبالغ فيه، وهي في الأصل تكون قد جهزت وحجزت له مؤونته تركض به ابنتها والفجل في يدها كأنه باقات ورود.
-"عمو خليتلك ريحان اثنين" وتشفعها بابتسامة
ابتسامة طفلة كادحة اجمل من كل شي،
لو وعتها الشمس لرقت لحال هذه البنت النحيفة البارّة وخففت من قسوتها عليها.
خميس ٥، ٦، ٧،٨، ....
زادها للخمسين فسطوة العوز بادية وهو يتربع على أكتافها.
خميس ؟: اخر يوم من شعبان والنَّاس صيام، المرأة متعبة الملامح لان ابنتها تخلفت عن مساعدتها هذه المرة، فلا شك ان الصبية صائمة.
في شهر رمضان وأسابيع عديدة بعده لم يمرّ من هذا الطريق.
الخميس الأخير:
نهضَت فرحة بمجرد ان رأت سيارته مقبله
-"وينك وليدي رحت لك فدوة هذا ثالث أسبوع أجي من العشرة ونص الى الحادية عشرة انتظرك وارجع"
-خير؟!
ردت انطيك هاي الرطبات من برحيّتنا أخاف ما اشوفك بعد، وهذه الأمانة الصغيرة.
أراد ان يعطيها المال كالعادة فرفضت
-ليش! والخضرة وين؟
-انا من رمضان بعد بطلت أبيع الخضرة من ماتت بنيتي
-ماتت؟!
تكسّر صوتها في عبرة باهتة
-"إي ماتت، هي مريضة وضعف حالها بنهاية شعبان وما طولّت يا ابني؛ وهاي أمانة بسيطة انا ردت ما أجيبها ألك حتى استحي لان هي ما مسويتها عدل لان ما تعرف كلش، بس هي طلبت مني الله يرحمها"
سلمتْ عليه، شكرته ودعت له وانصرفتْ، حتى انه لم يسألها عن التفاصيل، بقي مصدوما تعصف به الأفكار.
فتح الأمانة فإذا هي قطعة قماش صغيرة مطرّزٌ عليها كلمة شكرًا مع زهرة حمراء صغيرة؛ لم يكن التطريز متقناً لكنه كان لعينه وروحه اجمل من كل اللوحات وزهرتها اجمل من كل الورود.
Nabeel Abdul-lateef Jameel