ان البعرة تدل على البعير , وبعد اقتفاء الاثار وجدنا البعير يعتلي تلك التلة منذ عقد من الزمن (عشر سنوات عجاف) , وبما ان الجميع بحاجة ملحة الى وظائف البعير لكي ينفضوا معاناة خمسة وثلاثين عاما على ظهره ويمتطوا صهوته ليتجه بهم نحو عهد ديمقراطي جديد تكسوه قيم العدالة والمساواة واحترام الحريات العامة والخصوصيات الفردية , لكن البعير اثر البقاء على تلك التلة غير ابه لنداءات الاستغاثة .
على الرغم من تعنت الحيوان واصراره على المكوث , غير ان المكاريد والفقراءوالاغبياء ظلت ابصارهم شاخصة ورقابهم مشربئة بانتظار نزوله عسى ان يحن عليهم ويصحو ضميره ويؤنبه على قفلته هذه , وقد طال انتظارهم لعشر سنوات حتى ظهر تساؤلهم الذي اضحى مثلا على اليأس : الى متى يبقى البعير على التل ؟؟؟
صدفة جاء حكيم يهوى الترحال فراى هؤلاء القوم (الغشمة) فحكوا وشكوا لهذا الحكيم حالهم , فقال الحكيم : ياقوم اعلموا ان من سليقة وطبيعة البعران تعشق الصحارى لكن عندما رات البعران ذلك التل الاخضر ذو الخير الوافر الذي يدر عليهم المتعة والراحة ونقلهم من السافل الى الاعلى تغيرت احوالهم وتبدلت طباعهم فطاب لهم العيش , واعلموا كذلك لو انطبقت السماء على الارض ما نزل ذلك البعير الذي ترجون نزوله , هذا عن البعران اما عنكم فلو سنحت الفرصة لاحدك اعتلاء ذلك التل ما نزل عنه الى ابد الابدين , صحيح انكم مكنتم هذه البعران على الاعتلاء والصعود واليوم تطالبونها بالنزول هذا مستحيل , لانهم جردوكم من القوة الكافية لانزالهم , فافشوا الظلم والفقر والبطالة والفساد واشاعوا التباغض بينكم وزرعوا الضغينة في نفوسكم وتاجروا بدينهم من اجل دنياهم وتساهلوا مع الساقطين المتشددين وجعلوكم تقتلون بعضكم بعضا , واتكأوا على الاجنبي للتنكيل بكم واذلالكم واضعافكم , كما اشبعوا بطون قسم من جياعكم بفتات طاولاتهم الكريهة فسكت البعض وتملق البعض الاخر اما الفئة الباقية فهي خلقت لتاكل فتتبرز فتنام , فختم الحكيم قوله : ما اشبه الانسان بالبعران ثم غادر . فسلم القوم امرهم الى الواحد الاحد .