بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) صدق الله العظيم

 أنهال عليّ العِتاب والعتب الموجع من الأهل ( الأخوان والأخوات والأشقاء )  والأقارب والمعارف والزملاء والأصدقاء وأبناء مدينة قلعة سكر الكرام عندما علموا بان ولدي البكر محمد قد تزوج وإنني لم اخبرهم بالأمر ولم أوجه لهم الدعوة كي يشاركوننا فرحنا .

أقول لكل الذين عاتبوني.: إنني ابتعدت كل البعد عن إجراء مراسيم الزواج المتعارف عليها وذلك لم يكن من المناسب جدا إظهار المسرة وإجراء مراسم الفرح ، والمزاج مقبوض،  والمتعة مفقودة، والأحزان تنتاب كل عراقي .

أعزائي : إن مكدرات الحياة ومنغصاتها كثيرة، وسرور الدنيا بمثابة ظل زائل ولله در الشاعر إذ يقول :

يا خاطب الدنيا إلى نفسها

تنحى عن خطبتها تسلم

إن التي خطبتها غدارة

قريبة العرس من المأتم

فيا ابن ادم : لو ضحكت لك الدنيا ساعة فاعلم ستبكيك دهراً، وما منحت لشخص – الدنيا – في يومٍ سروراً إلا خبأت له يوما شروراً .

 الأصدقاء الأعزاء : كلكم تعلمون أن الفرح والحزن فطريان متضادان في وجدان الإنسان ولهذا لا يجتمع حزنٌ وفرح في هذه الحياة الفانية مثلما لا يجتمع شقاء وسعادة، ورحيل وإقامة، وماء ونار، وفقر وغنى، وغناء وبكاء، وضحك وصمت، وأفراد يولدون وآخرون يموتون، ونصر وهزيمة، وعز وذل، ورخاء وشدة، وصحة ومرض، وأحزان ومسرات، وغير ذلك من هذه التضادات الجميلة التي تعمق معنى الحياة وتبلور طبيعتها الأحادية التي تشاركها فيها حياتنا الأخرى يوم المعاد، فأما جنة أو جحيم، وهكذا يقلب الله الليل والنهار و تستمر سننه تبارك وتعالى وخلاصتها ( إن هذه الحياة لا تدوم على حال ) .

 وتوافقاً مع إرادة الخالق وإستكانة لعظمته وجبروته علينا كما في الصلاة أن نخشع لعظمته ونطمئن لحكمته وهو الرحيم بمخلوقاته البر بوعده ووعيده .

 وكفردٍ بين الناس وقفت أنا العبد الفقير طائعاً مختاراً أمام حكمته وتقديره فعزفت عن إقامة فرح لأبني بزواجه تدق فيه الطبول، وتعزف المزامير، وتزين السيارات وسيل من دموع لبني قومي على أبن فقيد، وأخ شهيد، وأب جريح، وابن عم مختطف ! قلت لنفسي، إن فرحي بزواج ابني فرح يدوم ساعات، وحزن بني قومي دائم لا يلوح فجرٌ لنهايته، فهل يجوز لي أن أفرح لأيام تمر مرَّ السحاب بينما حزن بني قومي دائمٌ لا يبدو له منتهى، وهل أستبدل أيام فرحٍ زائلة بفرح مشاركة بني قومي أحزانهم وأتراحهم ..؟ هنا أنتصر في نفسي ملاك المشاركة على شيطان الفرح الآني، فعزفت عن إقامة فرح لأبني المتزوج الذي لن يزيده دق الطبول وعزف المزامير سوى سويعات زائلة من فرح ظاهري.

 فرحي في أن أشارك بني قومي همومهم التي تقض مضاجعهم وتؤرق عيونهم وتحرق أكبادهم، لقد انتصرت على سلطان الهوى والأنانية وها أنا أرفع كأس الحزن مشاركا القلوب الكليمة والجراح النازفة، وسعادتي أن أشرب مع الجميع من كأسهم إنْ مرَّ وإنْ حلا، وذلك فرحي ووجعي في آنٍ .