إعتادت كل يوم أربعاء أن تجلس على هذه ألأريكة القديمة تتأمل المنظر الممتد الى مسافةٍ بعيدة كأنها تنظر الى صورةٍ وهمية عبر الزمن البعيد. منذ أكثر من أربعين عاماً لم تتخلف إسبوع واحد على الظهور في هذا المكان. تجلس وحيدة تسبح في أفكارها الممتدة على مدار السنوات. أصبحت لديها عائلة كبيرة . ولدها الكبير أحمد بلغ ألأربعين عاما وتزوج وهاجر مع عائلته الى مدينةٍ أخرى. تركها جميع ألأبناء وظلت وحيدة في هذا العالم الكبير. قبل وفاة زوجها كانت تجري مشادات كلامية وسجالات طويلة عن سبب إختلائها بنفسها عدة ساعات كل أربعاء. راح زوجها يشك في خروجها المنتظم وصارحها بأنه يعتقد أن هناك علاقة مشبوهه تربطها بشخصٍ آخر لأنها لم تكن تحدثهُ عن هذه ألأريكة ومكان وجودها. حاول عدة مرات مراقبتها لكنها إكتشفت ذلك وهددته بالطلاق إن فعل معها شيئاً كهذا. أكدت له أنها مخلصة لها بكل نبضة من نبضات قلبها. بيّنت له أنها تذهب الى مكان خاص بها لوحدها تتأمل السماء والطيور والمناظر الخلابة التي تحيط بالمكان. جعلته يثق بها . كانت مخلصة له في كل شيء تحدثهُ عن أي شيء إلا هذا المكان الذي تعتبره من خصوصياتها. يوما ما تقدم منها رجلاً كبير السن بعمرها . كان وحيداً يبحث عن مكانٍ بعيد عن الناس المتجمعين في تلك المساحة الخضراء. كان يبحث عن الهدوء المطلق. إستأذن منها للجلوس على تلك ألأريكة. نظرت إليهِ بعدم إرتياح وكأنه إخترق عالمها الخاص. أشارت إليه بالجلوس. كان ينظر الى الطرف البعيد من المساحة الخضراء. أحس أن وجودهُ غير مرغوب فيه نتيجة لعلامات القلق التي ظهرت عليها. سألها فيما إذا كانت تأتي الى هذا المكان كل يوم. نظرت إليه بعدم إرتياح. راح يتحدث مع نفسه بصوتٍ هامس ” ..المنظر هنا يسحرني بهدوئه الجميل. منذ فترة طويلة وأنا أزور هذا المكان كل يوم خميس. لدي في هذا المكان ذكريات بعيدة. ” قاطعته قائلة ” ..نعم أنا أزور هذا المكان كل أربعاء منذ أربعين عاما أو أكثر ” . قاطعها مبتسماً ” ..لكن اليوم خميس لماذا غيرتي منهج الزيارة من يوم ألأربعاء الى يوم الخميس؟” . قالت مندفعة ” ..لم أغير المنهج ..اليوم أربعاء وجأتُ حسب الخطة التي رسمتها لنفسي” . نظر اليها بشفقة قائلاً ” ..أنا متأكد أن اليوم هو الخميس″ . نظرت في مفكرتها الصغيرة وهي تظهر علامة إندهاش ” ..واوو..حقاً أن اليوم خميس , لاأعرف لماذا لم أحضر أمس..تذكرت كان هناك عمل منعني من القدوم..أعتذر..” تشجع على الخوض في حديثٍ آخر. بادرها ” ماذا يمثل لكِ هذا المكان؟ولماذا تأتين دون مرافقة زوجك؟” . أطلقت تنهيدة طويلة كأنها تضع فيها كل صدى السنوات المنهارة خلفها. ” حينما كنتُ في السادسة عشرة من عمري كنتُ أعشق فتى جميل وكنا نأتي للجلوس هنا ساعاتٍ طويلة نتبادل فيها قبلات لاتنتهي. نقشنا إسمينا هنا على هذه الخشبة. هو خطب فتاة لاأعرف أسمها وأنا تزوجت وأصبح لدي ولد أطلقتُ عليه إسم حبيبي الخائن. ” نظر إليها مندهشاً ” هل أن إسم خطيبتهُ مروج؟ وأنا إسمي أحمد..وأسمك سميرة أليس كذلك ؟” . شعرت أن تياراً كهربائياً يحرق كل بقعة من بقاع جسدها المسن. صرخت ” ..ماذا..ماذا؟ هل أنت أحمد ؟ هل أنت أحمد؟نعم أنا سميرة” . ظلا يحدقان في وجه بعضهما البعض لحظات مرعبة. إستدارت الى الخشبة وهي تبكي وتقول ” ..إنظر هذا إسمي وهذا إسمك….أحمد+ سميرة…يالغرابة الزمن.” ألقت بنفسها بين ذراعيه وهي تبكي وتشهق وتقول ” ..أحمد..أحد..أيها الخائن الوسيم”.
مقالات اخرى للكاتب