إنها الركيزة الأولى للاشتراكية كفكرة ووسيلة حكم. الحزب الحاكم هو المهندس الوحيد ينظر من نافذة الحكم العليا للبشر في كل أنحاء البلاد ويرسم لهم خريطة طريق يلتزمون بها فيتحولون في نهاية الأمر إلى مجرد علامات تكون شكلاً هندسيًا تتم إدارته من أعلى.
ومن الطريف أن الأفكار الاشتراكية حريصة على وصف نفسها بالأفكار «العلمية» البعيدة عن الأساطير والخرافات والغيبيّات. ومع ذلك فهي تقع في حجر الفكر الغيبي عندما تتكلّم عن نفسها بوصفها «حتمية»، وذلك في المقولة الشهيرة «حتمية الحل الاشتراكي»، الحتمية هنا هي فكرة القدرية، أي أن الاشتراكية قدر من المستحيل الفكاك منه أو تفاديه.
والاشتراكية في مصر كانت تستمد قوتها من صنّاعها، وأيضًا من مساندة العالم الاشتراكي لها. أي إحساس بالصداع في رأس الاشتراكية في مصر، كانت تردّ عليه الاشتراكية العالمية على الفور: «سلامتك يا حبيبي».
واختفى العالم الاشتراكي غير أنه ما زال يسكن مصر بعشّاقه وقطاعه العام الذي يسمّي نفسه أحيانًا قطاع الأعمال. وهو يقوم بدوره العتيد مشكورًا، وهو زيادة العجز في الميزانية ليس في كل عام، بل في كل لحظة. لا توجد وسيلة على الأرض لتنمية حقيقية عن طريق القطاع العام. وإذا حدث ووجدنا بئر بترول في كل حارة ومنجم ذهب في كل شارع، فلا بد أن ينتج عن ذلك المزيد من عجز الميزانية.
وإذا كان عشّاق الاشتراكية بمعناها الذي سقط تحت سور برلين، قد اختفوا من العالم كله، غير أن وجودهم في مصر وقوة نفوذهم أمر لا يمكن تجاهله. أظنّ وليس كل الظنّ إثم، أن الحركة الإعلامية في مصر كلها ضد التحوّل إلى الاقتصاد الحر. كما أن الستة ملايين موظف العاملين في الحكومة، من المؤكد أنهم مع الحكومة يعني ضد التحوّل إلى الاقتصاد الحر. الاقتصاد الحر يمثّل رعبًا للسواد الأعظم من البشر لأنه يعني ببساطة أن يخوض الفرد معركة في كل لحظة بهدف التفوق والقدرة على منافسة أسواق أخرى.
اقرأ مفردات الكتّاب الغاضبين، عن التجار الذين يمتصّون دماء الشعب، والذين يحاولون السيطرة على الصحافة وأجهزة الإعلام ليتحكّموا في حياة الشعب. ستقرأ ذلك في جرائد خاصة، وتسمعها وتراها في محطات تلفزيونية خاصة. إنها المفردات الخالدة للاشتراكية. هذه هي مشكلة مصر، حتى الفساد الذي بدأت الحكومة في ضربه بقسوة هو أيضًا مرتبط بدوائر الحكم العليا، أي الطبقات العليا للقطاع العام. بغير التخلّص من القطاع العام كله، وأوله الإعلام.. سنزداد فقرًا وتعاسة.
مقالات اخرى للكاتب