من نوعها , غريبة في شكلها , مريبة في مضمونها , وهي الوقوف على مسافة واحدة من جميع الجهات السياسية , بصرف النظر عن مواقفها وبرامجها التسقيطية والتآمرية والارهابية, فهي افضل الحلول الالتوائية والاحتيالية للخروج بوجه ابيض ناصع من غير سوء امام الجميع , وخير الامور اوسطها " وهنيالك يافاعل الخير".
وقف الكثير من الصحابة بعد وفاة النبي (ص) على مسافة واحدة بين الحق والباطل , رغم معرفتهم بحقيقة الامور , فأنتج هذا الموقف التاريخي الغريب كوارث سياسية هشمت الامة الاسلامية وولدت لنا معاوية ويزيد وابن تيمية وابن لادن والزرقاوي والعرعور وابو ايوب المصري ومناف الراوي وكل الذباحين الذين يمثلون الاسلام اليوم امام العالم , الذي تحول بفضل جنونهم من دين تسامح ومحبة الى دين ذبح ومسبّة!!.
تكرر الموقف مع الامام الحسين ابن علي (ع ) ووقوف الكثير من المسلمين كذلك على مسافة واحدة بين سيد شباب اهل الجنة كما وصفه جده المصطفى , وبين مغتصب للحكم ومستبد قاتل!! وها نحن نجني ثمار هذه المواقف المخزية , فاصبح الطغاة والمجرمين وقتلة اهل بيت النبي هم اولي الامر منّا, ولكم حل هذا اللغز المحير! خليفة الرسول يقتل ابن الرسول تطبيقاً لشريعة الرسول, ويبقى في نظر البعض اميراً للمؤمنين ومفترض الطاعة!! فلماذا اذن نستغرب ان نسمع فتاوى التكفير والذبح والتفخيخ وقد وصل الينا الاسلام عن طريق هؤلاء القتلة والمجرمين " رضي الله عنهم".
حاولت انا ايضا في بداية شبابي الوقوف على مسافة واحدة بين ابي وامي وهما يديران حرباً داخلية ساخنة, فالتهب ظهري بعقال ابي " المعتور " وهو يلوح به في مسافته الواحدة للنيل من امي المسكينة التي تقف هي ايضا في مسافتها الواحدة , ومزق قلبي من جهة اخرى دموعها وهي تشرح له اسباب فساد طبخة الغداء!! لم ينفع وقوفي على مسافة واحدة بينهما رغم ضرورتها لانهما سبب نعمة كوني عراقياً مجلود الظهر, فقد حصلت على حصتي الشرعية من موقفي , خط ملتهب احمر على ظهري ظل ساخناً ساعات طوال!! فادركت حينها خطورة الوقوف على مسافة واحدة بين الظالم والمظلوم وبين المعتدي والمعتدى عليه!!.
كل مانحتاجه في هذه المرحلة الفوضوية من تاريخ العراق ,هو الوضوح والصدق امام الله والشعب في المواقف حيال القضايا الحيوية والخطيرة وعدم ممارسة لعبة مسك العصى من المنتصف او الوقوف على مسافة واحدة بين الحق والباطل او بتعبير اكثر صدقاً بين القاتل وضحيته , ومن ثم التلاعب بمشاعر المواطنين ومحاولة اثارتهم لكسب الود وضمان اصواتهم الانتخابية , وحتى مع افتراض ان كل الجهات متساوية في قضية معينة في السوء والصلاح , فلابد من وجود تباين في مواقف اخرى اكثر وضوحاً , فليس من يطالب بالعفو عن القتلة كمن يسعى للقصاص منهم , وليس من يحاول تعطيل الحياة كمن يحارب من اجل البناء والتعمير , وليس من المنطق في شئ ان تقف موقف محايد مع اقرارك المسبق بان البلاد تعيش حالة الفوضى والخراب , وبذلك يكون وقوفك في المنتصف اقراراً ضمنياً بشرعية الفساد والارهاب , والسؤال الاهم هو , هل وقف اصحاب المسافة الواحدة من قبل بجانب ضحايا الارهاب؟ وضرورة تنفيذ القصاص العادل بالمجرمين , حتى يريدون الان الوقوف على مسافة مخزية واحدة من الجميع.
ــ ان لم تكن حراً وصادقاً كالحسين , فلاتدعي الانتساب اليه
عباس العزاوي
14.4.2013
مقالات اخرى للكاتب