في بداية السبعينات وبعد ان اتممت دراستي الاكاديمية مهندسا مدنيا في جامعة البصرة 1968-1969 توجهت الى العمل التجاري في سوق الشورجة واجلت العمل بوظيفتي كمهندس بسبب تاثيرات كلام لوالدي الذي كان احد كبار تجار بغداد بضرورة التوجه الى السوق وترك الوظيفة الحكومية!.
وبسبب طبيعتي التي تميل الى الفاعلية والديناميكية كنت لااميل الى العمل المحدود الذي يقيدني ويقيد حركتي في محل صغير او دكان محدود فقررت الانتقال الى العمل الصناعي حيث شهد العراق في بداية عقد السبعينات نهضة صناعية كبيرة وهي اول قراءة حديثة ومتقنة لي في تحديد خارطة طريق استهل بها مشوار حياتي التجارية والصناعية في بلد ينمو باتجاه صناعة نهضة خاصة به مادفعني الى الانفتاح على اوربا واليابان ولم انس وانا اتوجه شرقا وغربا وفي طول البلاد الاوربية وعرضها البلدان المجاورة للعراق فكانت دمشق وحلب اول محطتين للافادة من تجارب الدول المحيطة التي سبقتنا الى التجارة والصناعة منذ ..رحلة الشتاء والصيف!.
اقمت علاقات تجارية وصناعية والى جوارها علاقات عربية خالصة لها علاقة بالاسلام مع كبار الشخصيات التجارية والصناعية في سوريا..وبقيت تلك العلاقات مع هذه الصفوة قائمة مستخدما في كل جولاتي ورحلاتي السورية اسمي الصريح الذي نسيته ووضعته في درج النسيان حين استقر بي المقام لائذا باكناف دمشق ومعارضا لنظام صدام حسين في الثمانينات ..فقد اصبح اسمي بيان جبر خوفا على ماتبقى من عائلة باقر صولاغ جبر الزبيدي!.
بعد الاستقرار في دمشق ايلول 1982انغمرت في عملي السياسي والاعلامي والجهادي المختلف تماما عن الصيغة المدنية والمهنية التي نشات منذ صباي عليها وطيلة تلك الفترة انجزت اضعاف ماكنت اتمنى انجازه على الصعيدين التجاري والصناعي الشخصي اذ قدمت لبلدي وشعبي وتيار الحركة الاسلامية والوطنية الذي كنت انتمي اليه ماافخر به وهو مدون وموجود في الوثائق الوطنية وفي ذاكرة جيل كبير من العراقيين عاصرني لفترة ربع قرن!.
بعد غزو النظام العراقي للكويت اب عام 1990 حدث حراك سياسي مذهل في تلك الفترة وانفتحت فجأة الفضائيات العربية والاجنبية علينا في المعارضة العراقية واصبحت في فترة قصيرة واحدا من نجوم مربع الشاشة العربية متحدثا رسميا للمجلس الاعلى وصوتا يعبر عن واقع المكونات الوطنية التي تعاهدت على اسقاط النظام وتاسيس نظام وطني بديل ولدي مركز دراسات ستراتيجية في دمشق وبغداد احصى لي في فترة التسعينات الى ماقبل سقوط النظام في 9 نيسان 2003 قرابة ال4000 مقابلة تلفزيونية واذاعية وصحفية في مختلف الاقنية العربية والاجنبية.
هنا ..وذات يوم من اواخر عام 1993كنت اتمشى في (سوق الحميدية) في الشام اتطلع الى المحال التجارية تغمرني لحظة انكفاء الى سوق الشورجة..الى السنوات الاولى التي تدرجت فيها من مربع الدكان الصغير الى مربع الصورة التلفزيونية الى مربع(طول القماش) والالوان الزاهية التي كانت كلها تذكرني ببداية التاريخ!.
وهنا وفيما انا اجول بذاكرتي هذا المكان واذا بصوت ياتيني من الخلف ظننته صوت تاجر كان صديقي ..صوت علي نعش لكن لهجة الرجل الشامي اوقفت تسلل علي الى الذاكرة..قال لي الرجل الشامي ..هل انت باقر صولاغ ام شقيقه؟!.
التفت اليه بابتسامة ارجعتني الى اواسط السبعينات من القرن الماضي..اجبته..هل انت ابو محمد؟!
قال لي ..نعم!.
اكمل الرجل .. وهل انت باقر؟!.
فاجبته..نعم
ولم نشعر بعد هذه الاسئلة الا ونحن متعانقين!.
وجدت نفسي في محله التجاري الكبير وسط سوق الحميدية وتذكرت هذا المحل فقال الرجل ..هل تعلم ان اصدقائك وصناعيي حلب يسالون عنك ويتابعون اخبار حركتك السياسية والاعلامية ولقاءاتك مع الرئيس حافظ الاسد من خلال شاشة التلفزيون لكننا كنا (والكلام لابي محمد السوري) نتسائل ..هل هو باقر ام ابن عمه لان الشبه كبير الا ان الاسم قد تغير من باقر الى بيان فطلبت منه دعوة جميع الاصدقاء والقدوم الى بيتي على مائدة العشاء حيث كنت اسكن في حي الزاهرة الجديدة وسط دمشق محاطا بمكتب سياسي ومكتب اعلامي مماثل ومركز للدراسات السياسية الاستراتيجية وحين التئم شمل الجماعة التجارية الذي زاد عددهم عن 8 تجار وصناعيين استذكرنا الايام السبعينية الماضية وكانت فرصة استطاعوا فيها حل لغز الاسم!.
في اللقاء الثاني بهم كان الحديث اوسع واشمل وتطرقنا فيه الى الشؤون السياسية في البلدان العربية لكنني شعرت ان الحديث كان واضحا وشفيفا ولم يتحرج احد في قول مالايمكن قوله امام الاخرين وحين مر الكلام عن الرئيس حافظ الاسد وسياساته الداخلية والعربية وموقفه القومي تحدثت باسهاب عن لقاءات تكررت مع الرئيس الاسد بمعية السيد الحكيم فرد علي احدهم ..انك شكوت من صدام وتحدثت عن اجرامه وقتله واستبداده ودكتاتوريته وتدميره لبلده ومايكتنف هذه السياسة من تغييب للحريات ومصادرة للحقوق المدنية للعراقيين فلماذا لاتتحدث عن الشق الثاني لحزب البعث في سوريا اذ نحن نشعر بنفس المظالم ونتطلع لنفس الاهداف لكن الفارق بيننا وبينكم ان الفرصة اتيحت لكم لكنها لم تتح لنا!.
بدات بدوري افند الفوارق بين الحزبين والشخصيتين والتجربتين والسياستين وقلت انا اشبه بغداد العباسية بدمشق الاموية وحكم الاسد يذكرني بدهاء معاوية بن ابي سفيان!.
رد علي صديقي الذي التقيته اول مرة في سوق الحميدية قائلا..
اخي بيان ..نحن نريد حنكة ودهاء معاوية بن ابي سفيان وليس حافظ بن ابي طالب!.
مقالات اخرى للكاتب