الفتاوى الدينية المرتبطة بالمصالح السياسية المشبوهة , لعبتْ وما زالتْ دوراً سلبياً كبيراً في تأجيج العنف في المنطقة العربية , خاصة تلك الصادرة من جهات سلفية معروفة بتشددها . غير أنّ فتوى جديدة ليست تختلف فقط عمّا ذكرنا من نمط لفتاوى متشددة وإنما تكاد تنسفها تقريبا . وهذه الفتوى صدرت أخيراً من مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ , وقد جاءت كجواب لسؤالٍ إستفتائي من أحدهم حول " حكم بعض الشباب بتفجير نفسه بعبوة أو حزام ناسف بدعوى نيل الشهادة ؟ " . أجاب الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي عام السعودية " بأنّ قتل النفس كبيرة من كبائر الذنوب , وان الذين يقتلون أنفسهم بهذه النواسف هوم قوم ٌ مجرمون عجّلوا بأنفسهم لنار جهنم كونهم يقتلون ويدمرون غيرهم من البشر !!! " وأنّ " هؤلاء زاغتْ قلوبهم وضلّوا عن سواء السبيل " . والسؤال , أو بالإحرى الأسئلة التي تثيرها هذه الفتوى كثيرة لا تستوعبها وقفة عجلى , فتوصيف الإنتحاريين بالمجرمين وأنهم يعجّلون بذهاب أنفسهم الى النار وأنّ قلوبهم زاغتْ فضلّوا عن سواء السبيل تضعنا , كما قلت , أمام العديد من الأسئلة . منها مثلاً , أين كان الشيخ عن كل ما فعله هؤلاء الإنتحاريون من تدمير ؟ هل كان نائماً فأستيقظ ضميره الآن ليفتي بحرمتها ؟ وأين كان عن سيل الفتاوى التكفيرية التي تحلل هذا الإنتحار وتمنح فاعليه دخول الجنة وقد مرّتْ كل هذه الفتاوى , إنْ لم نقل جميعها , من تحت عباءته الفقهية ؟ . فأمّا الذين فجّروا أنفسهم فسحقاً لهم ولمن غرّر بهم ومثواهم كما قال الشيخ جهنم , ولكم ماذاعن الذين راحوا ضحية , نتيجة لتفجير ذوي الأنفس والأجساد العفنة ؟ وماذا عن عوائلهم وما تركوه من أيتام وأرامل ؟ . ولعلّ السؤال المهم هو , لماذا صدرتْ هذه الفتوى الآن ولم تصدر منذ بدأ الإنتحاريون حربهم على الإنسانية ؟ أما كان الأوجب شرعاً أن تتزامن هذه الفتوى من حين إبتداء العنف ( الإجتهادي ) ؟ . وثمة أسئلة إخرى أيضاً , هل أنّ توقيت هذه الفتوى جاء بالتزامن مع بعض المتغيّرات السياسية المهمة ,كالإنفراج النسبي في العلاقة بين إيران وأمريكا وإستبعاد شبح الحرب , على الأقل في الظرف الراهن , وهو ما لاترتضيه السعودية بل يتقاطع مع حراكها السياسي العام الأمر الذي يتطلب منها نوعاً من المرونة الزائفة لتخفيف الضغط السياسي الذي ستتضاعف حدّته ببعض التطورات الإيجابية في المستقبل القريب وخصوصا ما يتعلق منه بالقضية السورية ومؤتمر جنيف 2 وفشل المجاميع المسلحة في تحقيق اهدافها في سوريا والتي كانت السعودية الداعم الأول لهذه المجاميع ؟ كل الإحتمالات واردة في واقع سياسي مترجرج يقف على قرن ثور يتحرّك في أيّة لحظة ليقلب المعادلات .
مقالات اخرى للكاتب