على قارعة طريق الويلات , تقف نجمة بلا ثياب , تتعرى أمام الزاحفين , إلى بحر النهايات ,
لتحدثهم عن أسرار المعاني والغايات , ولا أحد منهم يلتفت إليها , بل تمضي الحشود في سلوكها القطيعي , كأنها الأمواج في نهر الحكايات.
وتبقى النجمة العارية , في صراخها الشديد , وندائها السديد , ولا من أحد يلتفت إليها , أو يتوقف عندها ويغازلها , وهي ترى كيف أن الآخرين عراة , برغم ما يلبسون وما يدعون.
فهي تلحظ سلوكهم المبين , وفعلهم المشين , وتناديهم... وتناديهم!
لكن سلطان الخداع سيد المسير , وأمجاد الأكاذيب الخلاقة تضفي , على الحركة المتدافعة قوة صراع مبيد.
تصرخ النجمة!
أكاذيب...أكاذيب!!
ولا من أحد يجيب!
وتدرك أن لا أحد يمكنه التحرر من جذب التراب , في هذا الحشد المتدفق من جوف الأرض البعيد , والساعي إلى جوف آخر قريب , ولا أحد يستطيع أن ينتقل خارج ضغطه العتيد.
أيها الكذب!
أيها الخداع!
قالت النجمة , ولا من أحد ينتبه , لأنها نجمة عارية , وما قيمة النجوم في عالم , من الأوهام والوجوم!
وفكرت النجمة بأسلوب لجذب الإنتباه , واستغرقت في تأملاتها , واستدعت شياطين الشرور ,
واجتمعت معهم طويلا , وقررت أن تفعل ما يثير الجموع , فتحولت إلى نار ملتهبة ترمي بشررها وحممها في كل الجهات , وراحت ترقب كيف سيستجيب السيل البشري العارم.
واستغربت النجمة وأصابتها دهشة مروعة!
فحالما تحولت إلى نار ملتهبة توقفت السيول البشرية , وأخذت تلقي بنفسها في قلب النار , وهي تتسابق بقوة لم تلحظها فيهم من قبل.
لقد صار البشر يتهاوى في أعماق النار , ولا يريد الحركة بعيدا عن محيطها!
واحتارت النجمة من جديد وحزنت , لأنها صارت مصدرا للهلاك الجماعي , فانقلبت في لحظة خاطفة إلى جبل , فوجدت الحشود البشرية تلتف حولها , وتتسلقها وتتقاتل مع بعضها , لأنها تريد الاستحواذ على القمة.
والنجمة ترقب هذا التفاعل الدامي ما بين البشر.
فالكل يريد إمتلاك القمة!
ولكي يتحقق ذلك لا بد من القتال وسفك الدماء , التي صارت تروي سفح الجبل أكثر من المياه , فتغير الجبل إلى طين دموي تغوص فيه الحشود , وهي تتسابق في قتالها نحو القمة.
فبكت النجمة وقررت أن تكون نهرا!
وإذا بالجموع تلقي بنفسها في الماء وهي تريد أن تشرب!
وتراكمت الحشود وداست على بعضها البعض وملأت النهر بالأجسام, وإذا بالنهر يصير مخزنا كبيرا , لأبدان داستها الأقدام وأغرقتها في الحطام الشديد , ومضت تسير عليها باحثة عن ماء.
وبدّلت النجمة سلوكها , وقررت ثانية أن تجلس عارية على قارعة طريق الويلات.
فوجدت نفسها مهملة منكرة , رغم الضياء الساطع الذي ينبعث من جسدها المتلألئ بالبياض والصفاء!
حزنت النجمة وبكت طويلا , وساءلت القمر عن مفردات المآسي والشقاء , فأصبح القمر هلالا , وطارت النجمة إلى موضعها في السماء , وأشرقت الشمس مرارا على الحشود الماضية في طريق اللاعودة , وسقط الضوء حزينا على ظهر الأرض التي تعودت أن تراه , لكنها لا تعرف كيف ترى من خلاله معالم الحياة.
الضوء الحزين , تنعاه نجمة , لها صوت أنين , يتهدج بين نجوم اللاجدوى , المتراكمة على ظهر الخيبات القعيد؟!!