العراق , بالنسبة لأمريكا , مائدة دسمة فيها ما لذَّ وطاب , إبتداءً من البترول وليس إنتهاءً بالموقع الستراتيجي الذي يمثّله من بين جميعِ دولِ المنطقة . عام 1991 كانت الفرصة سانحة لها , أنْ تحقق حلمها المنشود بإحتلالها له , حين قامت بإخراج جيشه من الكويت , غير أنّ العقبة التي خشيتْ منها , في وقتها, هي الخوف من المواجهة البرية مع الجيش العراقي , رغم ضعفه , فأجّلتْ موضوع الإحتلال لوقتٍ آخر . ثم حانت هذه الفرصة من جديد عام 2003 بمبرّرات واهية وغير مقنعة , فدخلتْ العراق وعاثتْ فيه فساداً . وفي عام 2011 وبعد ضغوط متعددة , خرجتْ الولايات المتحدة من العراق , ولكن بعد أنْ ضمنتْ لنفسها , ما يمكنّها من الدخول , بشكلٍ أو بآخر , للعراق ثانية , لذا فهي لم تكف عن السعي للبحث عن مبررات للتدخل في شؤون العراق بشكل مباشر , رغم عدم بعدها عن التدخل في الشأن الداخلي فيه , من هنا كان ظهور داعش هو واحدٌ من ضرورات خدع السياسة الإمريكية , بغية وضع العراق من جديد تحت مظلتها الحديدية . ورغم تهديد داعش لبعض مصالح أمريكا في إقليم كردستان , فإنَّ داعش ما زالتْ هي الورقة الرابحة التي تحقق لها مخططاتها , الآنية والبعيدة , لذا إبتكرتْ الذهنية السياسية لأمريكا , طريقة جديدة لتدمير ما يمكن تدميره , حيث أنشأتْ تحالفاً بقيادتها , للحرب ضد داعش , فقامت ومازالتْ بضرب بعض المواقع الداعشية , لكنها لم تستطع من إيقاف تحركها وتمددها على أكثر من محور , ما دعاها للإيحاء بضرورة توجيه الضربات المؤثرة لداعش ولكن من خلال قوات برية الى جانب طيران التحالف .. ورغم ان الرئيس إوباما , صرّح بعدم وجود نية لإرسال قوات برية أمريكية للعراق , إلاّ أنّ معطيات الواقع تثبت وتشير الى عكس هذه التصريحات . الحكومة العراقية من جانبها , وجدت نفسها هي الاخرى , أمام خيارات صعبة ولا تُحسد عليها , بخصوص التدخل البري المزمع زجّه في المنطقة. فمن ناحية , أنّ القوات العراقية لا زالتْ تتجرع هزيمة الموصل , ما يجعلها , ربما تتسامح بعض الشيء , في موضوع دخول قوات برية , ولكن من الناحية الإخرى , فأن المرجعية الدينية وبعض القوى الإخرى وأيضا الرأي العام العراقي بشكل عام , يرفضون التدخل البري جملة وتفصيلاً , وهذا بحدّ ذاته يشكّل مصدر قلق للحكومة العراقية وأمريكا ودول المنطقة , على السواء , بإستثناء تركيا , حيث لم يعد مستبعداً , تهديد داعش لكل دول المنطقة , وبالفعل هي لوّحت بهذا التهديد لأكثر من دولة خليجية بما فيها السعودية , وأمام هذه الإشكالية المعقدة , فأن أمريكا , لوّحتْ هي الإخرى , بإحتمال شنّ هجوم من قبل داعش على العاصمة بغداد لإحتلالها , مع ملاحظة تهاون أمريكا , إزاء التمدد الداعشي في أكثر من محور , بما فيها سوريا . وقطعاً يبقى الهدف الحقيقي من وراء هذه التلميحات الأمريكية , وغض النظر عن توجيه الضربات الموجعة والجدية لداعش , الغاية منه , هي الضغط على الحكومة العراقية وإجبارها على القبول في السماح بدخول قوات برية .. غير أنّ الحكومة العراقية , هي الإخرى , وكما أسلفتُ , تعيش موقفاً حرجاً بهذا الخصوص .. وفي ضوء ذلك كله , تبرز عدة إحتمالات راجحة وقوية , من بينها أنْ امريكا سوف لا تقف صامتة أمام هذه التطورات الخطيرة وقد تسارع , بالدخول البري عن طريق القوة دون الرجوع للحكومة العراقية , لتشتعل نارَ حربٍ جديدة في العراق إضافة الى ما هي عليه الان .. ومؤكد ان الأيام الآتية , كفيلةٌ بكشف الكثير من التوقعات والسيناريوات المحتملة والمخفية وراء الكواليس الأمريكية والتي ستضيف عبئاً جديداً وكبيراً على كاهل العراقيين , إنْ إسْتمرت وتيرة التأزم بإتجاه التصعيد المتزايد..