في العراق باتتْ الكثير من الإمور تكتنفها سحبُ الغموض , وليس من جهة رسمية مخوّلة ومسؤولة تبادر بإيضاح غوامضها , ليعرف شعبُ هذا البلد الأكثر من جريح , على الأقل , أين موقعه في الدوامة التي تحيط به .. ولا أريد التطرّق لها , فهي تحتاج الى أكثر من وقفة طويلة , ولكن لنأتِها من الآخِر ,  وأعني بها داعش التي أصبحتْ حديث الساعة للجميع و كنّا الى أيام قريبة , نحسبها مجرّد أفرادٍ معتوهين إسْتقطبتهم الفتاوى التكفيرية ورزم الدولار  . لكن هؤلاء الأفراد باتوا الآن بمواجهة تحالفٍ دولي فضلاً عن جيوشٍ وحشودٍ شعبية كبيرة , ومع ذلك فهي تتمدّد كإخطبوطٍ , في مساحات بشكل لم نعرف فيه  مدى القوة الكامنة التي تقف خلفها , سوى أنّ الغرب وعلى رأسه أمريكا التي ما زالتْ تمارس الخداع وتسْتبطن المؤامرات ضدنا بدعوى الديمقراطية التي وضعتْنا فيها بشكل مغلوط يرتكز على محاصصة وطائفية بغيضة , هي الخصم فيها والحكم وهنا مكمن اللعبة وخطورتها  . فداعش إذاً هي المطبخ الأمريكي السعودي التركي القطري وبأدواة منفذة من الداخل . وهذه الأيام , كثر الحديث عن سقوط بغداد بأيدي داعش , وراح يدور وبكثرة , إعلاميا وشعبياً , بما في ذلك التلميحات الأمريكية بهذا الخصوص ,  في قبال صمت الجانب الحكومي الذي لا يتحدث عن ذلك بقدر ما يتحدث عن إنتصارات على داعش في كل قواطع المعركة .وبهذا الخصوص ,  بعض المراقبين  يشير, وهو محقٌ بالطبع , الى أن التحاف الذي تقوده أمريكا , منذ تشكّله في الفترة الأخيرة وإعلانه عن قيامه  بالآف الطلعات الجوية المبالغ في اعدادها  , أصبح في قباله , تحركٌ لداعش , أكبر حجماً , وأكثر تأثيراً , على الميدان , وكأنّ تشكّل هذا التحالف جاء عكسياً بحيث بات يهيء الأجواء والفرص المناسبة لداعش لتبادر هي  بالهجوم في وفي أكثر من مكان . والأغرب من ذلك كله , أنّ الإدارة الأمريكية تتحدث عن حرب تمتد لسنوات طويلة ضد داعش , في العراق وسوريا على السواء .. في وقت , أنّ أمريكا ذاتها , إستطاعتْ إسقاط صنم البعث بفيالقه وألويته العديدة المدججة بأحدث الإسلحة فضلاً عن الصنوف الاخرى , إضافة الى طيران الجيش والقوة الجوية ومنظومة صواريخ ارض / أرض وأرض /جو , بوقت قياسي لم يتجاوز العشرين يوماً . وهذا يعني بما لا يقبل اللبس , أنّ أمريكا وحلفائها المعروفين في المنطقة , قد أسْتلّوا ورقةً جديدة من خزانة مسلسلهم الجهنمي لتدمير ما تبقى من العراق . والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا , ووفقاً للإرث الحربي والخبرة العسكرية التي يتصف بها الشعب العراقي , هل من المعقول أن يقف هذا الشعب وبهذه التوصيفات , عاجزاً عن حماية نفسه من مجاميع لا يربط بينها غير الإنحراف الفكري والعقائدي ؟  ولكي نجيب عن هذا السؤال لابد ان نشير بإصابع الاتهام الى إخفاق الجانب الرسمي العراقي منذ 2003 ولحد الآن .. فهو المسؤول الأول والأخير عن هذا التردي الأمني وتراجع مستوى أداء الجيش العراقي وعموم القدرات الأمنية التي أصبحتْ لا تمثّل شيئاً إزاء إحتياج المرحلة ومتطلباتها .. فالعراق الان أمام مرحلة حاسمة , تتهافت دونها كل الخيارات إذا ما أُرِيدَ لهذا البلد أنْ يحافظ على وجوده ضمن خريطة جغرافية تُسمّى العراق . !