Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
''الربيع العربي''... وانتهاك مقوّمات الدولة الوطنيّة...؟
الأربعاء, تشرين الأول 16, 2013
مصطفى قطبي

 

 

 

 

 

 

كشفت صيرورة وتطور الأحداث فيما سمي ''الربيع العربي'' أن الهدف الأول لها هو إسقاط مفهوم الدولة القومية بالدرجة الأولى عبر إسقاط كامل مكوناتها من سلطة ومؤسسات ومقومات حياة اقتصادية وحتى اجتماعية لتتقهقر بالتشكيل الاجتماعي في هذه البلدان لما قبل مفهوم ''الدولة الوطنية'' عبر التكتلات الطائفية والمذهبية والإقليمية حتى ذهب كثيرون للحديث عن إعادة تقسيم المنطقة وفق ''سايكس بيكو2''.

 

وبات نافلاً القول إن حالة انتفاضة شبهت بـ''الموجة'' تنقلت بين بعض بلدان منطقتنا تم تصنيفها ضمن سياق مخطط ''الفوضى الخلاقة'' الأميركية للوصول إلى هذا ''السايكس بيكو'' أو ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، وطبعاً بات من المعلوم دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والضخ النقدي والتحريض وغير ذلك من الآليات التي مورست للوصول إلى هذه الفوضى.

فما أزعج الغرب ولا يزال إلى حد هذه الساعة هو الوطنية التي تعني استقلالا للشعوب، حرية سياسية واقتصادية ممكنة تتناقض ومقاصد رأس المال في الانتشار والهيمنة، لذلك حرص الغرب في عقود سابقة على تدجين جل الأنظمة العربية وتجريد نفوذها من الوهج الوطني كي تظل الوطنية شعاراً لا غير يُرفع في الأعياد الرسمية ولا يطبق كي تخضع البلدان لنظام السوق العالمية وأحكامها الصارمة، فلا استقلال في الواقع ما دامت التبعية الاقتصادية والسياسية هي الغالبة. إلا أنّ اهتراء بعض الأنظمة العربية وتأخرها في إنجار إصلاحات هيكلية وتدخل القوى الأجنبية لمنع ذلك عجلت في إرباك الخطاب الوطني، وبخاصة في هذا الذي سُمّي الزمن العولمي.

إنّ طرح الهوية هو في صميم المسألة الوطنية، إذ تتحدد الهوية بالخصوصية الجغرافية والثقافية، وما اللغة والدين والثقافة عامة إلاّ بعض من هذا الكل الذي هو الذات الوطنية والقومية. إلا أن طرح الهوية لدى غلاة الدين بالدين وحده تبعاً لقراءة أحادية موجهة إلى مذهب بعينه هو الإيهام بالهوية ولا هوية، بل إن هذه القراءة تسعى إلى تغييب الوطن وضرب الوطنية واللواذ بـ''الأمّة الإسلامية'' وإحياء عصر الخلافة باتباع المذهب الواحد. 

لذا يجد الغرب اليوم في هذا الطرح المُناقض للهوية الوطنية ما يخدم مصالحه ويُنقل الإرهاب إلى أوطانه كي يشتغل بحرية لتدميرها من الداخل، ولكن شرْط الاستمرار في نظام العولمة الاقتصادية والمزيد من ترحيل الأزمة الرأسمالية إلى التخوم وإنتاج الفوضى في ما يُسمّى بلدان ''الربيع العربي'' والعمل على نشرها في كافّة بلدان المنطقة العربية بالمزاوجة المُفتعلة بين الدين والحداثة، بين الحركات الإسلامية الأقل تشدداً والحركات العلمانية المعروفة بتبعيتها للغرب ورفضها أو تنكرها للوطن والوطنية.

وفي هذا السياق، فقد نشرت مجلة ''فورين بوليسي'' التابعة لمؤسسة ''واشنطن بوست'' التي تتحدث بإسم الجمهوريين وتتبنى أفكار المحافظين الجدد، تقريراً مطولاً كتبه ''أرون ديفيد ميلر'' وهو خبير سابق بشؤون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأمريكية، أكد فيه أن العالم العربي في أعقاب ثورات الربيع العربي يتجه بشكل متسارع إلى اللامركزية وضعف سيطرة الدولة، مشيراً إلى أن الفترة الراهنة تشهد بدء نهاية وهم عربي آخر، وهو وجود دولة عربية متماسكة. ورأى صاحب التقرير أنه بنسيان مطلب الديمقراطية الذي كان وهماً بدوره، فإن ما هو قائم الآن هو العجز عن إدارة الحكم وفقدان التماسك الأساسي للدولة. 

ووفقاً لتحليل الخبير الأمريكي الذي ينطلق بالطبع من المعايير الغربية للحديث عن التماسك الأساسي للدولة، فإن هناك ثلاثةَ مقومات ضرورية، هي وجود قادة وطنيين مستعدين للتفكير والتصرف على أساس وطني حقيقي، ووجود المؤسسات الشرعية التي لا تخضع للأهواء الشخصية للقوى السياسية المتنافسة، ووجود آلية للتفاوض واستيعاب الاختلافات والاستقطاب دون نزول المواطنين الى الشوارع. هذه المعايير هي التي تقيم دولة قوية متماسكة قادرة على استيعاب التغيير دون فقدان الاستقرار أو الوقوع في الفوضي الهدامة. وأي من هذه المعايير غير متوافر في المشهد العربي المتعلق بدول الربيع العربي، بل ما هو قائم هو العكس تماماً حيث الميل المتسارع نحو اللامركزية وضعف سيطرة الدولة. والقصد من هذا أن هذه الدول تتعرض بشدة لحالة من الانقسامات السياسية والاجتماعية والجغرافية تقود إلى التفتت وانهيار الدولة الوطنية التي نشأت بعد مرحلة الاستقلال الوطني في خمسينات القرن الماضي.

ولأن الخبير الأمريكي لا يريد تحميل الولايات المتحدة مسؤولية هذا الوضع المفاجئ الذي جاءت نتائجه على العكس تماماً من مقدماته، فإنه سارع بإقرار فرضية معينة دون تمحيص دقيق مفادها كما جاء في التقرير أن تماسك الدولة العربية هو من الأصل وهم، وما فعلته ثورات الربيع العربي فقط هو أنها أزالت الغطاء عن هذا الوهم فظهر على حقيقته، تماماً مثل الفرضية الأخرى التي تقول: إن المنطقة العربية عصية على الديمقراطية، وما الحديث عنها في الوضع العربي منذ القدم إلا وهم بدوره. وليس هنا مقام مناقشة الفرضيتين من حيث مدى صدقهما علمياً على الأقل، ولكن ما يهم هو الخلاصة التي انتهى إليها التقرير وهي أن المشهد القائم الآن يشير إلى وجود خطى متسارعة نحو التفتت وفقدان السلطات المركزية وتآكل الدولة العربية بمرور الوقت. 

والخلاصة صحيحة نسبياً حيث تشير كل المؤشرات إلى ما يؤكدها من واقع المتابعة لمجريات الأحداث في بلدان الربيع العربي بعد أكثر من عامين على اندلاع ثوراتها. ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه للمناقشة هو:

لماذا تتحدد الرؤية الأمريكية للأوضاع الراهنة على هذا النحو مع أنها كانت على العكس من ذلك تماماً وقت اندلاع هذه الثورات، وما هي مسؤولية الولايات المتحدة عما جرى؟ لأن الإجابة في الحقيقة تساعد في استكشاف اتجاه العلاقات الأمريكية بدول الربيع العربي في الأجل المنظور. 

وعلى الجانب الآخر فإن التساؤلات تظل قائمة حول الأسباب التي أدت بهذه الدول إلى هذه النتيجة وعما إذا كان مشهد التراجع في سلطة الدولة هو سبباً أم نتيجة لحالة الفوضى الهدامة الجارية، وما صلة ذلك بالسياسة الأمريكية في المنطقة عموما؟

ليس من الصواب استنكار الاهتمام الأمريكي بالشؤون الداخلية لهذه الدول، والذي يصل في مراحل التغيير المهمة إلى حد التدخل المباشر والسافر، لأن هذه حقيقة لا يمكن إغفالها بغض النظر عن رفضها من حيث المبدأ، خصوصاً أن التدخل الأمريكي غالباً ما كان يأتي باستدعاء صريح أو غير صريح من دول المنطقة للمشاركة في توجيه مسار الأحداث. فالعلاقة الاستراتيجية بين الطرفين تفرض التفاعل الذي لا يمكن تجاهله. ولكن المشكلة كانت ولا تزال قائمة فيما إذا كان التدخل (أو الدور الأمريكي) يتم في الاتجاه الصواب أم الخطأ ليس فقط بالنسبة للمصالح الحيوية لدول المنطقة وإنما أيضاً بالنسبة للمصالح الأمريكية. 

وعلى مدى الزمن فإن العلاقة بين الجانبين خضعت لجدل واسع النطاق حول مدى مصداقية السياسة الأمريكية تجاه تطورات المنطقة حيث كان التناقض المستمر بين المبادئ والمواقف العملية هو سيد الموقف والذي وجد تطبيقه في الانتهازية التي تتسم بها هذه السياسة في مواقفها من الأحداث العربية. 

وفي المقال الذي كتبه الخبير الأمريكي ''ميلر'' إشارة واضحة لهذا التناقض بين القول والفعل، فعن تأثير الولايات المتحدة على العالم العربي، أوضح ''ميلر'' أن الولايات المتحدة عالقة اليوم وسط مشهد من الفوضي، وأرجع ذلك إلى وجود تناقض ونفاق في سياسات واشنطن تجاه إسرائيل وتجاه عملية الإصلاح الديمقراطي، ومكافحة الإرهاب. ولكن المسكوت عنه في تحليل الخبير الأمريكي هو الدافع الحقيقي وراء هذا التناقض، وهو العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث إنها تعتبر أمن الأخيرة أولوية قصوى في أهدافها من وراء سياستها بالمنطقة، وكذلك الاهتمام بالتدفق المستمر للنفط والحفاظ على المصالح الاقتصادية بالمنطقة، وأضيف إلى هذين الأمرين مطلب جديد هو التعاون في مواجهة الإرهاب الذي يهدد أمن الولايات المتحدة شعباً وحكومةً، ومنذ نشأة الدولة الوطنية العربية مع تحقق الاستقلال الوطني من الاحتلال الأجنبي ظلت علاقة الولايات المتحدة بدول المنطقة محكومة بمثل هذه الاعتبارات الثلاثة حيث ظلت واشنطن تدور حيث يدور أمن إسرائيل، وضمان تدفق النفط ووقف الأنشطة الإرهابية تجاهها، ولم يكن يهمها مطلقاً ما إذا كانت الدولة الوطنية العربية متماسكة أم لا بل كان يهمها في المقام الأول قدرة هذه الدولة على التعاون معها في الوفاء بهذه الاعتبارات الثلاثة. 

وبما أن ثورات الربيع العربي قد أصابت مقومات الدولة الوطنية في بلدانها وأدخلتها في مرحلة انتقال إلى دولة جديدة تفي بأهداف هذه الثورات، فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع المشارك في إعادة البناء ولكنها تدخلت في الاتجاه الخاطئ أو على الأقل راهنت على حسابات غير مضمونة النتائج متأثرة في ذلك بحرصها الشديد على أمن إسرائيل وعدم تهديد مصالحها الاقتصادية والقلق من اندلاع موجات عنف تؤدي إلى صعود الجماعات الإرهابية. وعندما فشلت في تحقيق هذه الحزمة من الأهداف ووجدت نفسها أمام أنظمة جديدة تعاني من عدم الاستقرار وغموض الرؤية نحو المستقبل، أرجع خبراؤها الأمر إلى ما قاله الخبير الأمريكي بوهم الدولة العربية المتماسكة.

ولا يمكن لأي متابع، أن ينكر أنّ الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة العربية منذ أكثر من عامين ونيف، بما يسمى ''ثورات الربيع العرب'' بدأت تُميط اللثام عن وجه آخر أكثر فظاعة للتآمر على ما تبقى من سيادة الدولة الوطنيّة العربية، و ذلك باستهداف آخر ما تبقى من سلطتها الفعلية، و تحديداً كلمتها السياسية في تسيير شؤون المجتمع رغم انتقال جُل مراجع القرار الاقتصادي من دائرتها إلى دوائر أخرى من خواصّ وأطراف أجنبيّة، وكأن هذا الذي تبقى لها يُمثل حجر عثرة ينبغي إزاحته بالرجوع إلى الاستعمار القديم من غير احتلال مباشر للبلدان بعد أن أحدثت الرأسمالية بالتدخل في كُل شيء، ومراقبة كل صغيرة وكبيرة ومعاقبة من يقف في طريق تعميم هيمنتها ببراغماتية عجيبة لا تُفارق بين الخصوم و الأنصار، وتُفاجئ الجميع بالانتصار لمصلحتها على أي عميل، غير عابئة ''بالأصدقاء'' والأنصار، كالذي فعلته بكلّ من رئيسيْ تونس و ليبيا ومصر واليمن السابقين.

إنّ ما حدث في تونس من انتفاضة شعبية فاجأت الجميع ساعد في اللاحق على استخدام ''الفوضى الخلاقة'' لإرباك كل المنطقة العربية، والتسريع في إضعاف دُولها خدمة لقصد إستراتيجي يعود بالنفع العميم لليبيراليّة الجديدة، ويُساعد على توفير الحلول لأزمة الاقتصاد العالمي على حساب شعوب الجنوب، وإذَا الانهيارات المجتمعيّة الحادثة في تونس و مصر وليبيا واليمن... هي بداية مشروع جديد مُحَين بالوقائع الجديدة لإعادة تشكيل المنطقة، ووضع اليد على ثرواتها، وإلاّ فكيف نُفسّر غياب مركز القرار السياسيّ اليوم، وانقسامه بين المُؤسّسة العسكريّة و القوى السياسيّة والمدنيّة ؟ 

وهل غياب مركز القرار المرجعيّ، على سبيل المثال، يُراد به اختصار مؤسّسة الدولة في واجهة التمثيل الشكليّ، على غرار ما كان يحدث ولا يزال إلى اليوم في بلدان الخليج حيث سيادة الدولة تنحصر في الظهور التلفزيونيّ والسفر لحضور القِمم والمؤتمرات والتهنئة بالعيد وغيره ؟ 

هل يُراد بانتهاك الدولة وإنهاكها قتلها وتحويلها إلى صورة للاستهلاك الرمزيّ اليوميّ فحسْب، ليكتمل بذلك المشهد الاستعماري الجديد، بل الأجَدّ و تعميم ذلك على جميع البلدان العربيّة تحت عنوان كبير هو الديموقراطيّة ؟

والثابت أن الإخفاق الاقتصادي للثورات العربية الذي تمثل في انعدام الاستثمارات وهروب رؤوس الأموال وانعدام السياحة بل وتوقف الإنتاج في العديد من المشاريع وما صاحبها من زيادة كبيرة في أعداد الباحثين عن العمل والفقراء، وغيرها من الخسائر التي أدت إلى ارتفاع الأصوات من الغالبية الصامتة بتوقف المظاهرات والتوجه إلى العمل والإنتاج بقوة للمحافظة على معدلات الدخل حتى ولو كانت منخفضة.

ولأن مصلحة المجتمعات تعلو وتسمو على المصالح الفردية فإن ما يثار حول تأثير تلك الأحداث على الأفراد والمجتمعات وبخاصة على المستوي الاقتصادي والاجتماعي يستوجب الوقوف بالفحص والدرس والتمحيص لمثل تلك الأحداث وصولا لتقييم الوضع والوقوف على حقيقته وما آل إليه من تطورات، فعلى سبيل المثال فقد ذكر تقرير لمجموعة استشارات أن الانتفاضات الشعبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كلفت المنطقة أكثر من 50 مليار يورو، وفي سياق متصل فقد أكد التقرير الصادر عن مجموعة ''جيوبولوسيتي'' أن الأكثر تضررا من تلك الأحداث كانت مصر وسوريا وليبيا، وحذر التقرير أنه بدون برنامج دعم إقليمي يمكن أن تكون تداعيات تلك الأحداث أكثر ضرراً.

وقد ذكرت مراكز بحوث مستقلة، أن الثورات العربية أفقدت الاقتصاد العربي حتى الان نحو 25 في المائة من نمو الناتج الإجمالي له، وأن عام 2013 سيكون العام الأسوأ على الاقتصاد العربي بالنظر إلى الآثار التي تتركها اضطرابات دول المنطقة من ناحية، وتأثير أزمة ديون أوروبا وأمريكا على العالم من ناحية أخرى. وهذه الخسائر ربما تزايدت منذ نشر هذا التصريح وحتى اليوم، لأن هناك المزيد من التطورات السلبية التي تلحق بالاقتصادات العربية يومًا بعد يوم.

من خلال ما سبق، فإن تأثير الخسائر، لا يقتصر على الدول العربية المتضررة التي تشهد هذا الحراك الشعبي يومياً، وإنما أيضاً على الدول التي تسعى بمختلف وسائلها المتاحة بإخماد هذا الحراك خوفاً من أن تصل إليها الرياح العاتية التي تهب بين فترة وأخرى، حيث أكد المسؤول في حديثه قائلا: ''أول الدول المتضررة من هذه الثورات هي الدول التي جاءتها رياح (الربيع العربي) ومن ثم الدول الفقيرة، وتأتي بعدها الدول الخليجية النفطية ''. 

ومع أنه لا توجد أرقام دقيقة حول الكلفة الاقتصادية لتلك الانتفاضات إلا أن حساب المكاسب والخسائر للمنطقة، يشير إلى فائدة اقتصادية، ويعني ذلك أن حصيلة ارتفاع أسعار النفط لدى الدول المنتجة أكبر بكثير من خسائر الدول التي شهدت انتفاضات، وتعود الخسائر الاقتصادية لتلك الدول نتيجة تأثر الإنتاجية الاقتصادية سلباً بالانتفاضات الشعبية، ومن خلال الكثير من البيانات والمؤشرات الاقتصادية، يبدو أن الوضع في غاية التعقيد. 

هذا عن تأثير الأحداث الحالية على المستوى الاقتصادي وعليه يقاس في مجال المستويات الأمنية والاجتماعية والتي تأثرت تأثراً مباشراً بتلك الأحداث وهو تأثير سلبي ـ للأسف ـ إذ طغى الانفلات الأمني على مظاهر الحياة في البلدان التي شهدت تغييرات ملحوظة ـ سلبية أوإيجابية ـ مهدداً حياة وأملاك الأفراد العاديين بل والممتلكات العامة، ناهيك عن تدني المستوى الاجتماعي والمستوى التربوي وما صاحبه من انتشار للشائعات واعتماد الغالبية العظمى على ما يمليه عليهم الإعلام دون توخي الحذر في استقائها من مصدرها ولم يكن ذلك هو الوجه الأوحد لتدني الحالة الاجتماعية بخاصة إذا ما أضفنا عدم الاعتراف بحق الغير في التعبير عن وجهة نظره واحتكار ذلك الحق وقصره على فئة قليلة وعدم السماح لغيرهم بالإفصاح عن أفكارهم بل قد يتم استهجان تلك الأفكار وتشويهها عمداً من خلال الآلة الإعلامية الموجهة وهو ينعكس على الفكر العام ومستواه لدى كافة الشرائح.

ولمواجهة تلك التحديات الاقتصادية والفكرية والأمنية والاجتماعية يجب توضيح أن معظم تلك الأحداث وإن كانت تظهر بمظهر المطالبات الداخلية اعتماداً على القائمين بها ـ أدواتها ـ إلا أن الواضح أن وراءها أياد خفية خارجية تعبث وتدبر الأمور في الليل البهيم بل وتدعم تلك الأحداث وتمولها لأهداف تقدرها وتعلم جيداً مدى الاستفادة من ورائها، وسواء كانت تلك الأيادي المدبرة داخلية ـ متلقو التمويلات الخارجية منذ سنوات عديدة ـ أم خارجية تمول من الخارج فإن هدفها واضح ومفضوح ولكن قد يعمى ذلك على الكثير من البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، ولعل من أكبر الأدلة على ذلك من أرض الواقع أن كثيراً منهم شارك في أتون تلك الأحداث ولكن ما إن اتضحت لديهم حقيقة تلك الأحداث وما وراءها ومن ورائها، واكتووا بنيران آثارها حتى انقلبوا يسبون الأحداث ويستنكرون ما أفرزته، مؤكدين أنهم لم يشتركوا فيها لتكون تلك هي النتائج بل كانت أحلامهم وردية لا تتعدى المطالبة بتحقيق مطالبهم المشروعة، ولكنهم أفاقوا منها على واقع أليم ـ من وجهة نظرهم ـ مما حدا بهم للانقلاب على ما كانوا يضحون من أجله بمشاركاتهم.

فإذا وصلنا إلي تلك القناعة السابقة كان لزاماً توعية البسطاء بماهية تلك الأحداث ومدى تأثيراتها على الفرد قبل المجتمع ككل وتوجيه جميع الأفراد نحو العمل وترك كل ما يؤثر سلباً على المجتمع وصولا للهدف الذي من أجله خلق البشر، فليس بالمظاهرات وما قد يصاحبها من إتلاف وتخريب يكون بناء الوطن بل يكون ذلك بالعمل والجدية في ذلك العمل وإن كانت هناك مطالبات فيجب أن تكون عبر قنواتها الطبيعية و الشرعية، ومن ناحية أخرى يجب تهذيب الأفكار وتوجيهها بالطرق المباشرة وغير المباشرة عن طريق الإعلام بكافة وسائله حتى تتضح ثقافة تنويرية جادة وموضوعية هادفة وبناءة، ومن ناحية ثالثة يجب غرس مفهوم التخصص وترك كل متخصص يعمل في مجاله حتى ينتج فيه ويتقنه وذلك منعاً من التداخل في الاختصاصات المعيب والذي قد يورد المهالك، ولذا يجب توعية الأفراد وتوجيههم إلى احترام كل فرد لمجال اختصاصه دون التعرض لاختصاص غيره وصولا للتكامل في شتى مناحي الحياة. 

في مؤتمر القمة الإسلامي العاشر الذي انعقد في كوالا لامبور قال الرئيس الماليزي السابق ''محاضر محمد'' ما يلي: لا أريد أن أعدّد ما تعرضنا له من إذلال وقهر، ولا أريد إدانة الذين ظلمونا، لأنّ ذلك لا يعدو كونه جهداً تافهاً لن يؤدي إلى تغيير مواقفهم منا، وإذا كنا نريد استعادة كرامتنا وكرامة الإسلام فعلينا نحن أن نقرر، وعلينا نحن أن نفعل. جميعنا مظلومون نعاني من القهر والإذلال، لكننا نحن الحكام لم نجرّب قط أن نعمل متضامنين، فبدل أن نكون أمة واحدة انقسمنا إلى شيع ومذاهب وطرق مختلفة، فصارت الدول الإسلامية ضعيفة تعيش حالة دائمة من الفوضى والغليان، وصار الأوروبيون يتصرفون في الأراضي الإسلامية كما يحلو لهم، ولم يكن مفاجئاً أن يقتطعوا منها مساحة يقيمون عليها ''إسرائيل''! 

لقد قال تعالى: ''إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم''، وعدد المسلمين يبلغ اليوم 1.3 مليار نسمة، ولديهم أعظم احتياطي نفط في العالم. إنّ ثرواتنا عظيمة، ونحن نعدّ 50 قطراً من أقطار العالم التي تعدادها 180 قطراً!

إننا نخضع لمشيئة ظالمينا تحت ضغط قاهر، فكيف يجب علينا أن نتصرف؟ إنّ ردّ فعلنا هو الغضب! لكنّ الإنسان الغاضب لا يحسن التفكير، وهكذا تأتي ردود أفعالنا بعيدة عن العقل.

فهل سيبقى المسلمون أبداً مقهورين ومحكومين من قبل الأوروبيين واليهود؟ هل سيبقون دائماً فقراء وضعفاء ومتخلفين؟ هل صحيح أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً؟ هل صحيح أنّ 1.3 مليار مسلم لا يملكون القوة لإنقاذ أنفسهم من الإذلال والقهر الذي ينزله بهم خصم أضعف منهم بكثير؟

 من المؤكد أنه قد حان وقت التأمل في أحوالنا، فنحن أقوياء ولا تمكن إبادتنا ببساطة. هناك مصادر قوة عظيمة متاحة لنا، والمطلوب فقط هو الإرادة!

وعقب التأكيد على المعطيات السابقة فلابد من التصدي للأطماع الخارجية والتي أصبحت واضحة للقاصي والداني على أن يكون التصدي بالعقل والمنطق دون المصادمات ولا يحول ذلك دون فضح مخططاتهم وتفنيدها والضرب على أيدي المنتفعين والمستفيدين من تلك التدخلات بعصا القانون وليس بغيره حتى لا نفتح المجال للأخذ والرد فيما هو جلي وواضح، ولا يمكن تطبيق ذلك إلا من خلال المنوط بهم القيام بذلك الدور يدعمهم مثقفو الوطن الغيورون عليه كل في مجال اختصاصه، وذلك من قبيل الحفاظ على مكتسبات الشعوب وعدم التفريط في حق البسطاء الأولى بالرعاية والذين ليس لهم في هذه الدنيا سوى الله وأولي الأمر الذين يسهرون على تلبية احتياجاتهم وفق الأصول القيادية المرعية.

إنّ التخلف الفكري والتعصب الديني ووقائع التفرقة الممكنة الطائفيّة و القوميّة و العشائريّة والجهويّة وغيرها تُساعد، لا محالة، على تنفيذ مشروع قتل الدولة الوطنيّة العربيّة للانتقال إلى العولمة السياسيّة و الثقافيّة بعد العَولمة الاقتصاديّة. 

إننا نعيش مفارقات حادة اليوم بين غرب لا يسمح لمواطنيه بالخيانة الوطنية والفساد بمختلف ألوانه، في حين نراه يُشجع مُواطني بلدان الجنوب على المُتاجرة بالأوطان ودعم فاسدين جُدد يحلون محل الفاسدين السابقين ويُعدم قادة وزعماء لإنتاج قادة وزُعماء جُدد يمثلون الخطط والبرامج الحادثة في بلدانهم، ويحول بعض البلدان العربية اليوم، وبخاصة تلك التي تُسمّى بلدان ''الربيع العربي'' إلى مخابر لتجريب حياة سياسية توقف زحف الحداثة واليسار المتنور والاستقلال الوطني في عدد من بلدان أمريكا اللاّتينية، وكأن المنطقة العربية محكوم عليها وإلى زمن غير مُحدد بأن تكون تابعة اقتصاداً وسياسة وثقافة وأمناً لهذا الغرب الهرم.

وفي هذا المنعطف من التاريخ، الذي تنوء فيه كثير من الأمم بصراعات قد تهدد وحدة الشعوب والأوطان، لا مناص إعلاء الهوية الوطنية وترسيخ روح المواطنة،  واعتبار التنوع عامل تخصيب وإثراء للثقافة، ويبرز هذا واضحاً عند الحديث عن الهوية العربية، وتكريس مبدأ المساواة في الحقوق من دون تمييز. ومن المهم لمجتمعاتنا العربية، التي تتعرض لما تتعرض له، أن يسودها السلم الأهلي، القائم على إعلاء شأن الوطن، والقبول، في الوقت ذاته، بالتمايز والاختلاف، ويتحقق ذلك بتراجع دور الهويات الصغرى لمصلحة الهوية الوطنية، وتراجع قانون الغلبة لمصلحة مفهوم الأمة، الذي ساد قبل تأسيس الدولة/ الأمة دولة المواطنة، وهو مفهوم واسع ومتشعب، وموجه نحو الداخل والخارج معاً.

وليس من شك في أن الحد من تغول الهويات الصغرى يتطلب ثقافة جديدة، وإقراراً بالتعددية والتنوع، حال كثير من المجتمعات الإنسانية الأخرى، مع الإقرار بأن الظروف الموضوعية التي أسعفت الغرب للانتقال من هيمنة الكنيسة والإقطاع للدولة المدنية، لم تسعفنا في هذه المنطقة، والأسباب كثيرة، منها تعطل النمو السياسي والاقتصادي في مجتمعاتنا العربية، بسبب التدخل السافر للقوى الإستعمارية والقوى الرجعية، وضعف الهياكل الاجتماعية، لكن ذلك لا يلغي أهمية الفعل الإرادي الإنساني لخلق الظروف الموضوعية لتكريس دولة المواطنة، التي تشكل غطاء لجميع مواطنيها، وجامعاً يغني كل التنوع والتعدد اللذين يصبحان مصدر ثراء وغنى، لا عامل تفريق، تحاول نظريات ''لفوضى الخلاقة''  تمزيق الأوطان العربية والأمة باللعب عليه، كما يجري في الساحة العربية حالياً.

 

 

 

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.3871
Total : 101