هذا البلد الغني؛ الغني بأنهاره ومياهه ونفطه وكبريته وخضرته.. أرض السواد٬ العراق٬ يعاني من الإفلاس الآن٬ بعد أن نهب الفاسدون ثروته٬ وتركوا الخزينة خاوية. «باسم الإسلام باكو البلد»٬ شعار المتظاهرين. كل هذه المظاهرات التي نسمع عنها ونراها على شاشات التلفزيون يطالب المشاركون فيها بوظائف وأعمال. هذه مظاهرات العاطلين. تراهم يحملون شعار: «أعطونا وظائف أو نهاجر!»٬ وهناك مظاهرات الشغالين؛َمن حصلوا على وظائف ولكن لم يقبضوا أي رواتب٬ يحملون شعار: «أعطونا رواتبنا أو نهاجر!»٬ والحكومة تتمنى طبعا أن ينفذوا ما وعدوا وهددوا به. ولكن في عراق اليوم لا أحد ينفذ ما يقول أو يعد أو يهدد به. وأنا طبًعا أتفهم موقف السلطة٬ فمن أين يدفعون الرواتب والخزينة خاوية؟! قرر وزير المالية إصدار سندات قرضُتطرح في الأسواق المالية العالمية بفوائد عالية؛ أكثر من عشرة في المائة. المفروض أن تتلقف البيوتات المالية العالمية هذه السندات بهذه الفائدة العالية الصادرة من دولة نفطية لها ثاني احتياطي نفطي في العالم. وهل من ضمانة أكبر من ذلك؟! بيد أن الأسواق المالية قالت: شكًرا على العرض٬ ولكن اعرضوها على غيرنا. اضطر وزير المالية إلى سحب العرض ووفر لوزارته تكلفة طبع السندات. المشكلة الأساسية هي أن العراق فقد سمعته الائتمانية. لا أحد يثق برجاله. البنوك تتحمس اعتياديا لمثل هذا القرض الملياري٬ ولكن كيف يضمنون أن الفلوس ستصل للحكومة قبل أن يسرقها أحد «المسؤولين» غير المسؤولين؟! وإذا وصلت وآن موعد سدادها٬ فكيف يضمنون أنها ستصل إليهم ولا يسرقها مسؤول آخر غير مسؤول؟! بعد أن يئست وزارة المالية من الأسواق العالمية٬ فكرت بالسوق المحلية؛ أن تقترض من الشعب في الداخل. ولكن كيف تقترض منه والشعب مفلس والناس تبحث عن عمل؟ نعم٬ هذه هي الدائرة المفرغة لمن يريد أن يسأل: كيف تفرغ الدائرة؟ تفرغ يا سيدي عندما تكون عندك حكومة من الحرامية٬ والحرامية يشكلون حكومة. كيف تكسر هذه الدائرة؟ خطرت لي هذه الفكرة؛ لا بد أن هؤلاء اللصوص أودعوا ملايينهم في البنوك الخارجية. لا أعتقد أنهم يتقاضون عنها أكثر من واحد أو اثنين في المائة. وعلى أكبر احتمال لا يتقاضون عنها أي فائدة. فالبنك «يعمل معروًفا عليهم» عندما يقبل ملايينهم٬ وهم يعرفون تماما أنها أموال حرام وغير شرعية. وهذه فرصتهم. يستطيعون أن يقرضوها للحكومة العراقية التي سرقوا منها تلك الأموال لقاء فائدة معقولة ترضي ضميرهم؛ مثلا أربعة أو خمسة في المائة. وبذلك يتحولون من حرامية أولاد حرام٬ إلى «بانكرية» أولاد حلال. وما إن تتسلمها الدولة حتى يبادروا إلى سرقتها منها ثانية٬ قبل أن تستطيع تسديد رواتب الموظفين منها. شهران أو ثلاثة٬ ويعودون لفعلهم الإنساني٬ فيقرضونها للدولة بفائدة مخفضة. وهكذا يا سيدي ترى أمامك دائرة مفرغة أخرى.. حرامية يصبحون بانكرية٬ وبانكرية يصبحون حرامية٬ وفلوس حلال تصبح فلوًسا حراًما٬ وفلوس حرام تصبح فلوًسا حلالاً. والله يبارك بنفط العراق المنهوب وزعمائه الإسلامجية.
مقالات اخرى للكاتب