التعصب او العصبية هو شعور داخلي يجعل الإنسان يتشدد و يعتبر نفسه انه على حق دائما وعلى مسار صحيح ويرى الآخرين على باطل بلا حجة أو برهان او دليل . ويتجسد هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متشددة ومتزمتة تنطوي عليها احتقار الآخرين وعدم الاعتراف بحقوقهم وإنسانيتهم. وللتعصب أشكال مختلفة منها وكثيرة منها عرقية و قومية وفكرية والديني (أو المذهبي في حالة وجود انتماء مشترك للدين ) .
ياتي في مقدمة كل هذه الانواع من التعصب التعصب الديني أو الطائفي الذي تعاني منه الامة الاسلامية في زمنها الحالي (وهو موضوع مقالتنا) والذي تسبب بوجود حالة من الصراع الداخلي تجعله يقف ضعيفاً امام اعدائها او أمام التحديات التي تواجهه . ان النقطة الاساسية في اعتناق الدين اي دين هو القناعة الراسخة و الايمان العميق الذي يصدر بنفس متيقنة تجاهه . وكان هذا المنهج للاسلام بالحجة و الدليل القاطع كما اشارة هذه الاية الكريمة :(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى َلا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم) (البقرة:256) لذلك ان اي فرض لفكرة او تصور معين ممكن ان لايؤدي الا الى ايمان شكلي ومن ثم الى حالة من النفاق التي تعاني منها المجتمعات المتعصبة و التي تكون خاوية من كل شيء الا من الالتزام الشكلي فقط . وقد حذرنا القرآن الكريم من التعصب عندما وجه خطابه الى الامم التي سبقتنا بقوله تعالى (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ): (سورة المائدة/77) .
وروي عن رسول الله صل الله علية وعلى اله و سلم انه قال (لا تشددوا على أنفسكم فيُشَدَّد عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشُدِّد عليهم).
فالإسلام دين الوسطية والتوازن في تناول الأمور و التعامل مع البشر بل حتى في العبادة مع الله . كما في قوله تعالى :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (البقرة:143).
ان اضرار التعصب تنعكس على المتعصب نفسه اولا ثم على غيره فلا يمكن للمتعصب أن يرى الواقع على حقيقته ؛ لأنه يرى ما يميل إليه ولا يرى ما يرى غيره وإن كان ظاهرا للعيان لا يمكن جحوده وبالتالي فأحكامه لا يمكن أن تكون وفق مقتضى الحكمة والصواب. كذلك وجود دوامة من الخلاف و الشد و الجذب تجعل من الاواصر الاجتماعية في حالة كبيرة من الضعف.
كذلك ان المتعصب يحرم نفسه دائما من القرار السليم و الوصول الى نتائج دقيقة و يسهم في زيادة الضغط النفسي عليه وعلى من يقابله او يواجهه في المجتمع . أن التفسيرات النفسية والسلوكيات للمتعصبين تعزي حالتهم المتطرفة إلى أسباب نفسية خالصة كثيراً ما تكمن في العقل الباطن أو اللاشعور وبخاصة مدرسة التحليل النفسي. فعلى سبيل المثال ذهب بعض أصحاب التحليل النفسي على أنه كالعدوان الذي يظهره الفرد على شكل طاقة انفعالية لابد لها من متنفس ويتخذ لذلك موضوعاً معيناً تفرغ فيه الشحنة الزائدة وإذا لم يتمكن العدوان من أن يصل إلى مصدر فإنه يلتمس مصدراً. ويرى بعض الباحثين من أن التعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فرداً معيناً أو جماعة معينة أو موضوعاً معينا إدراكاً إيجابياً محباً أو سلبياً كارهاً دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية. ويرى عالم النفس المصري (مصطفى زيور) : أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها بواعثها النفسية وهي تنشأ أولا وقبل كل شيء من بواعث نفسية لا علاقة لها في الأصل بالعقيدة الدينية. أما المدرسة الاجتماعية ترد كل شيء إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده وما المرء إلا دمية يحرك خيوطها المجتمع كما يقول “دور كايم. في حين أن المدرسة المادية التاريخية: تضع الاعتبارات المادية كأساس لتفسير الظاهرة. فمثلاً ترى أن الدوافع الاقتصادية هي التي تصنع الأحداث وتغير التاريخ. لكن الحقيقة هي أن التعصب يجب أن ينظر له نظرةً شاملة وهذه النظرة الشاملة ترجع أن الأسباب المؤدية للتعصب والتطرف الفكري والسلوكي في حقيقتها أسباب متشابكة ومتداخلة وكلها تعمل بأقدار متفاوتة مؤثرة آثاراً مختلفة قد يقوى أثرها في شخص فتجعل من التعصب ظاهرة مركبة معقدة وأسبابها كثيرة ومتنوعة ومتداخلة فمن هذه الأسباب ما هو ديني ومنها ما هو سياسي منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو اقتصادي ومنها ما هو نفسي ومنها ما هو فكري ومنها ما هو خليط من هذا كله أو بعضه ومنها ايضا الجهل بالدين وحقيقته و جوهره . و يجب التنبيه هنا من أننا لا نقصد بهذا السبب الجهل الكامل بحقيقة الدين لأن ذلك سيؤدي غالباً للتفريط و التسيب ولكننا نقصد هنا هو ادعاء العلم وظهور أنصاف المتعلمين الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق وهو يجهل الكثير والكثير قال صلى الله عليه وعلى اله وسلم: (لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا). ومن الثابت شرعا وعقلا أن التعصب لا يهدي الإنسان إلى سواء السبيل لأنه يغلق عليه منافذ المعرفة والوصول إلى علوم الآخرين ومعارفهم واكتساب الحكمة أنى كان مصدرها ومنبعها فالذي لا يستمع القول لا يتبع أحسنه فقد قال تعالى:(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزمر:18).
وقد جاء الإسلام ليحارب كل أشكال التعصب والانغلاق فكل بني آدم مكرم كما قال تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء:70). وقال عز وجل :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (الحجرات:13).
مقالات اخرى للكاتب