لدينا في موروثنا الديني الكثير من الكتب التي تُصنّف ضمن ما أُصطلِحَ على تصنيفه بكتب الملاحم والفتن .. تتناول على سبيل النبوءات والأخبار توصيفاتِ أوضاعٍ , لأزمنةٍ بعضها مرّ وبعضها الآخر , يصلح للحاضر أو لمستقبلٍ لم يأتِ بعد . وبخصوص زماننا , ثمة توصيفات لأخبار الملاحم والفتن قد تنطبق أولا تنطبق ولا يمكن القطع بتطابقها على حاضرنا ولا على الماضي الذي سبقنا . والتردد في قبول مطابقتها من عدمه , هو منهج التعميم الذي يغلب على هذه الأخبار ما يجعلها تتطابق مع أحداث بعينها على سبيل التعميم , بإستثناء بعض التلميحات التي ترد فيها أسماء ملغزة ومشفرة وايضا ورود أسماء لأماكن بعينها يحدث بها كذا وكذا , لكن هذه الأماكن أحيانا تأتي قريبة من حيث لفظ الإسم لأماكن قد تكون موجودة في العصر الحاضرأو هي مُصحّفة بشكل أو بآخر .عموماً البعض يُخضِعُ هذا الموروث لرؤية إسقاطية مسبقة ويفسّر ما يحدث من فتن وحروب , هنا وهناك , ويأخذ هذه الأخبار على سبيل القطع .وأنا لست بصدد نفي أو إثبات هذه النبوءات , كون القطع بصحتها من عدمها يخضع لمنهجية متشعبة في حال تمّتْ دراستها وفق رؤية علمية تتعلق بعلم الإجتماع والرواية وعلم الرجال والعقائد والميثيلوجيا مما لم يتوفر عندنا وإن توفّر فهو ليس بالمستوى المطموح له,مثلما هو لدى الأمم المتحضرة التي درست كل شاردة وواردة في موروثها الشعبي والديني .ولكن ما يلاحظ لدى الشرائح الشعبية ذات الثقافة المتواضعة أنها تلجأ وقت إشتداد الحروب والأزمات الى هذه الأخبار وكأنها تبحث عن إجابات عن تساؤلاتها بخصوص ما تواجهه من إشكاليات نتيجة هذه الأزمات من قبيل متى ومَن هذه الجهة المختلفة او المتصارعة مع الجهة الإخرى ؟ من هو الطرف الذي يقف في خانة الحق ومن هو الطرف الذي على الباطل ؟ وهنا في هذه التساؤلات وحين اللجوء لأخبار الملاحم والفتن , تكون الرؤية الإسقاطية ,كما قلت , لدى هذه الشريحة أو تلك ,وهي رؤية إنتقائية بنفس الوقت ,في إختيارها لبعض الأخبار, تنطلق في الغالب الأعم من مرتكزاتها وثقافتها الدينية والعقائدية والمذهبية وبالتالي فأن ما تخرج به هو مزيجٌ من رؤية قديمة تختلط بحالة حراك معاصرمعقّد . وبالطبع إنّ هروب الإنسان من واقع مليء بالتعقيدات والضبابية والغموض , وشعوره بالعجز عن الوقوف على قراءة صحيحة لأشكاليته وتوجهه نحو موروث أكثر ضبابية من الحاضر , علّه يضع يده على إجابات تشبع فضوله , يمثّل إنعكاساً لواقع سايكولوجي مرير . غير أنّ الجانب الأيجابي في ذلك هو نزوع الإنسان الفطري نحو حب المعرفة والبحث عن سر المجاهيل التي تؤرق هذا الإنسان ..
مقالات اخرى للكاتب