للعراق والأردن علاقات قديمة تمتد لبداية تشكيل الدولة العراقية ،لكنها متذبذبة دائماً ، مد وجزر ، اذ كانت العائلة الهاشمية - المالكة- تحكم البلدين ، حتى بلغ الأمر في ان يفكروا لتشكيل اتحاد غير اندماجي عرف بالاتحاد الهاشمي(العربي) وتمت تشكيل اول حكومة اتحادية برئاسة نوري السعيد في 19-5-1958 .وجاء الاتحاد كرد فعل على تشكيل الجمهورية المتحدة بين مصر وسوريا .
لكن الاتحاد لم يدم سوى 55 يوماً ، فتحول العراق لجمهورية وتمت تصفية العائلة المالكة عام 1958 في مشهد دموي قتل فيه ايضاً رئيس وزراء الاتحاد نوري السعيد (رئيس الوزراء العراقي) ونائب رئيس الوزراء للإتحاد ابراهيم هاشم (رئيس وزراء الاردن) وايضاً وزير دفاع الاتحاد سليمان طوقان(وزير الدفاع الاردني) ، ليعلن بعدها عبد الكريم قاسم حل الاتحاد واتهام الحكام الذين قاموا بانشائه بالعمالة للإستعمار ، ساءت بعد ذلك العلاقات بين البلدين.
فيما بقيت العائلة الهاشمية تحكم الأردن حتى الساعة .
لكن العلاقة عادت لتقوى من جديد خاصة بعد وصول صدام حسين الى السلطة ، ولعل الصورة الابرز والاقوى للتعبير عن تلك العلاقة هي مشاركة الملك حسين في الحرب العراقية الايرانية وحضوره لرمي بعض اطلاقات من بندقيته باتجاه الجبهة المشتعلة انذاك والتي كانت تقدم خيرة الشباب العراقي لتلك المحرقة .
وفي خطوة مشابهة للإتحاد الهاشمي ، شكل العراق و الاردن ومصر واليمن ما عرف بمجلس التعاون العربي 1989، في رد فعل ايضاً على مجلس التعاون الخليجي ، لكن هذا المجلس لم يستمر طويلا ايضاً بسبب احتلال صدام للكويت فأنهار بعد اشهر .
ضعفت العلاقة العراقية الأردنية بعد احتلال الكويت ، واصبحت علاقة باردة جداً ، واستغلت الأردن فرصة الحصار الاقتصادي بشكل ممتاز حين اصبحت المنفذ التجاري الوحيد فتحسن اقتصادها بشكل ملحوظ .وكانت الأردن في تلك الفترة قد بدأت لبعض فصائل المعارضة العراقية بالتواجد والحركة هناك وعملت مخابراتها بشكل واضح على هذا الملف وصولاً لإستقبالها حسين كامل صهر صدام وزوج ابنته رغد التي تستضيفها الأردن اليوم واختها رغم انها مطلوبة من القضاء العراقي .
وفي ظل النظام البعثي كانت الاردن تحصل على احتياجاتها من النفط العراقي بشكل مجاني او تفضيلي وكان الطريق البري الرابط بين البلدين من اهم منافذ التهريب للنفط الخام ، اذ كانت السلطة تحصل على واردات التهريب بالعملة الصعبة لبناء القصور والبذخ وغيرها من الأمور .
سقط النظام عبر احتلال دخلت الكثير من قواته عبر الأردن وخططت وهندست وجهزت واستفادت ونقلت وتجهزت طائراتها بالوقود ، لكن مع ذلك كانت اكثر الدول تباكياً على النظام الذي شاركت في اسقاطه ، وكانت من اكثر الدول التي استفادت اقتصاديا من احتلال العراق بالاضافة لتركيا وايران .
كان الزرقاوي علامتها المميزة الجديدة والذي قام بتفجي السفارة الأردنية نفسها عام 2003، وكانت الأردن ومازالت تدافع عن صدام وتترحم عليه حكومة وشعباً رغم انه الأكثر طغياناً بين اقرانه من الطواغيت فيما تدين القذافي او بشار او غيرهما في موقف طائفي مفضوح عبر عنه الملك عبد الله في اكثر من مناسبة حين تكلم عن الهلال الشيعي ، وعززته المظاهرات والشعارات امام السفارة العراقية ،فيما كانت عمان المنطلق الأول لفريق الدفاع عن صدام اثناء محاكمته .
الحكومة العراقية الجديدة التي يبدو وكأنها تريد ان تنفي عنها تلك التهم الطائفية راحت تتصرف كما كانت تتصرف حكومة صدام ، فعمان هي المكان المفضل والستراتيجي لكل فعالياتها وهي المنفذ الرئيسي لتجارتها وتقدم لها نفطاً بأسعار تفضيلية فيما الحكومة الأردنية والشعب الأردني غير راضين تماماً عن ذلك ويعتبرونه حقهم المغتصب من قبل حكومة موالية لإيران التي تعاديهم بسبب موقفهم من حرب الثمان سنوات ، بل انها زادت على ذلك عبر خط انابيب بصرة -عقبة والذي سيوفر ويجهز الأردن بإحتياجاتها ويضمن لها مورداً مالياً ايضاً .
في الحفل الذي اقامته السفارة العراقية استذكاراً ليوم المقابر الجماعية ، اقتحم مجموعة من الأردنيين الحفل ليهتفوا لصدام في تحد واضح لمشاعر ملايين العراقيين وللمناسبة نفسها.
فقام اركان السفارة العراقية وحماية السفارة بالإعتداء عليهم وضربهم ضرباً مبرحاً ، وهو ما لا يتفق مع الأعراف الدبلوماسية ولا يتفق مع صورة العراق الديمقراطي الجديد .
اعرف ان الكثير من العراقيين فرحوا لمافعله السفير ومجموعته وشعروا لأول لحظة انهم تمكنوا من رد الإعتبار للضحايا فأخذوا حقهم بأيديهم ، لكن تلك التصرفات لا تتناسب مع الأعراف الدبلوماسية ، وحسناً فعل السيد زيباري بالإعتذار عن ذلك .
وهو ما يعيد الى الأذهان حديثنا عن السفارات العراقية بالخارج وكفاءة من يديرها ودور المحاصصة في تعيين عناصرها !
لكن ما هو المطلوب بعد الإعتذار ؟
المطلوب ان تقدم الحكومة الأردنية اعتذارها ايضاً عن تلك التصرفات الهمجية ، وان تنظر للعراق كدولة محترمة بكل فعالياتها وطقوسها ، اعرف ان الفعل لم يكن حكومياً ولا رسمياً كما هو فعل السفارة العراقية ، لكنه يعبر عن رأي حقيقي أردني نسمعه في كل يوم عبر وسائل الإعلام وعبر النقابات شبه الحكومية وعبر الدولة في مجلس نوابها وبشكل صارخ وهذا لن يتحقق مالم تعيد الحكومة العراقية والخارجية العراقية النظر في علاقتها مع الحكومات والدول المحيطة ورغم انه هذا الشيء صعب جداً بسبب انعدام الرؤيا الحكومية والتخبط والمحاصصة وفشل الحكومة في ادارة ملفات ابسط من ذلك .