كثيراً ما كتبت مهاجماً رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السيد باراك حسين أوباما ، وقسوت عليه ، وربما كنت محقاً آنذاك ، ولكنني الآن أنحني له احتراماً وأرفع قبعتي تحية له ، لما أنجزه مؤخراً ، ولعل ذلك يسجل له ، ويكفيه .
كما لا أنسى جرأة وزير خارجيته السيناتور القوي جون كيري الذي قاد الدبلوماسية الأمريكية إلى بر الأمان ، وأشهد بكل الحق حرص على تحقيق المصالح الأمريكية عكس أسلافه وبقية المسؤولين الأمريكيين الذين خدموا إسرائيل من خلال مناصبهم الأمريكية .
الرئيس أوباما وبحق يشهد له أنه خدم أمريكا ويعمل على تعافيها من توريطات المتصهين بوش الصغير ، وواجه التيار المكهرب ، ولم يتعبه عش الدبابير اليهودية في أمريكا على شاكلة "الايباك"
و"ميمري" الذي يعمل على محاربة الحريات الإعلامية وحرية الرأي في منطقتنا .
الرئيس أوباما سجل وبكل الاقتدار أنه رئيس أمريكي يعم لصالح أمريكا فقط ، وقد حفظ درس الرئاسة جيداً ، ولا أريد القول أن العرب والمسلمين هم الذين عطلوا تنفيذ بعض مشاريعه المتعلقة بالشرق الأوسط ، لأنهم أسهموا بالضغط عليه ، وتأييده ضد إيران .
الرئيس أوباما أثبت أنه من مدرسة فرانكلين ، وأن أمريكا هي بلده ،وأن الشعب الأمريكي هو شعبه ، ولذلك سبح ضد التيار ورفع رايته غير آبه بمن اعتاد توجيه البوصلة الأمريكية لمرفئه ومينائه .
ليس خافياً على أحد أن الرئيس أوباما خالف السائد ولم يتبع المعهود والمألوف ، وهو تنفيذ المطالب الإسرائيلية على حساب أمريكا ، ودون النظر لمصالح الشعب الأمريكي ، وها هي أمريكا ما تزال تنزف دماً ومالاً وتعاني آلاماً لا حدود لها بسبب بوش الصغير الذي ورطها في حربين داميتين في أفغانستان والعراق فيما كانت الحرب الثالثة ما تزال مفتوحة ضد ما يسمى " الإرهاب " وهي بحق حرب عالمية ثالثة ، لن تنجو أمريكا من تبعاتها .
لقد تمكن الرئيس أوباما من تجاوز الفخ الإسرائيلي المكهرب الذي كان منصوباً لأمريكا ، وهو شن عدوان مسلح على إيران ، تنفيذاً للرغبة الإسرائيلية الملحة على البرنامج النووي الايراني السلمي ، لتبقى إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا .
لا شك أن الرئيس أوباما جازف وغامر وقامر بمستقبله السياسي لأنه امتلك الجرأة الفائقة والشجاعة النادرة وقال بالفم المليان " لا " لإسرائيل ومن يدعمها ورفض مهاجمة إيران ، لأنه يعرف جيداً أن إيران ليست دولة عربية تقبل الهزيمة و تبتلعها وكأنه قطعة من الشيكولا اللذيذة .
ولا شك أيضاً أن الرئيس أوباما أدرك أن إيران لن تغض الطرف عن المصالح الأمريكية في الخليج على وجه الخصوص ، ولن تغفل الوجود الأمريكي المسلح في هذه المنطقة المشتعلة أصلاً .
هنا وفي مثل هذه المواقف المحرجة ، تتبين ماهية صانع القرار وما هي قيمة بلده في ذهنه ، وما هم حجم إدراكه للمخاطر التي ستتعرض لها بلده إن هو أخطأ في الحسابات ، مع الإقرار بصعوبة الوقوف في وجه التيار اليهودي في أمريكا ، ليس لاستحالة ذلك ، بل لأن الدارج هو أن المسؤول الأمريكي وبغض التظر عن موقعه ، ينسى أنه أمريكي وأن واجبه العمل على حماية مصالح بلده ، بل كان جل همه خدمة المصالح الإسرائيلية .
الرئيس أوباما خالف المألوف ، وأنقذ بلاده من أزمة طاحنة أخرى ، وقطع الطريق على الجميع ، بأن اتفق وحلفاءه الأوروبيين مع إيران حول ترتيبات تتعلق ببرنامجها النووي ، وكما هو معروف فإن هذا الاتفاق خلق ارتياحاً في طهران وواشنطن وعواصم أوروبا المعنية لكنه فجر قهراً وألما في تل أبيب ، ولذلك نرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو يتخبط في جهله يمنة ويسرة .