بعد التغيير الذي حدث بعد التاسع من نيسان عام 2003 يعيش العراق في دوامة عاصفة من الازمات والمشكلات والنزاعات والخلافات على كل صغيرة وكبيرة، حتى وصل الحال الى وضعه المعروف ومنذ عدة سنوات بانه البلد الاكثر فساداً وامراضاً وبطالة والاكبر عدداً في نسبة المعوقين والاميين والارامل واليتامى الى آخر القائمة المعروفة في سلسلة المآىسي العراقية، رغم ضخامة الوارادت التي تصل الى مئات المليارات ومع ذلك مازالت نسبة كبيرة من سكانه تعيش تحت مستوى خط والفقر وتعتاش على بقايا المزابل وفي البيوت المتهالكة المنتشرة تجاوزاً قرب اغلب المدن العراقية.
ويمثل التصعيد الاخير والاجراء الخطير الذي قامت به حكومة المالكي ونقول (حكومة المالكي) وليس (الحكومة العراقية) لان آليات وقرارات هذه الحكومة تجري وتسير وفق ارادة طرف واحد وحزب واحدا وشخص واحد وليس كما قرره الدستور العراقي من خلال المشاركة والتوافق في اصدار القرارات، بالمصادقة على ميزانية العراق لعام 2014 من غير موافقة الوزراء الكورد واحالتها الى مجلس النواب من اجل اقرارها من دون المشاورة مع حكومة اقليم كوردستان، وهو تكرارلما حدث في تمرير ميزانية عام 2013 مما يؤكد وجهة نظر اغلب العراقيين والمتابعين للشأن العراقي ان هذا البلد ومنذ عدة سنوات يعيش في خرق وانتهاك مستمر للدستور ومبادئ المشاركة التي تعطي الجميع بغض النظر عن اعدادهم وحجمهم حرية المناقشة والمشاركة في ادارة هذا البلد، بل على العكس وكما يصرح ويصرخ الكثيرون ومنذ عدة سنوات بان البلد يسير من سئ الى أسوء بسبب الابتعاد عن الدستور وابعاد وتهميش مكونات اساسية ورئيسية في المجتمع العراقي وتسخير كل موارد وامكانيات الدولة لمصلحة طرف معين معروف.
ان من الخطأ توصيف النزاع الاخير بين حكومة اقليم كوردستان والحكومة الاتحادية حول تصدير النفط الى تركيا بانه نزاع حول الواردات وكيفية التصرف او ادارة هذه الواردات التي يحاول الاقليم ومنذ عدة سنوات حث الحكومة العراقية على تشريع القوانين المهمة الرئيسية مثل قانون النفط والغاز وقانون مجلس الاتحاد وغيرها من القوانين الكثيرة التي لو تم تشريعها وفق التوقيت الذي نص عليه عليه الدستور والتي بلغ عددها 55 قانوناً كان يجب على مجلس النواب تشريعها خلال دورته الاولى لما كنا نعيش ونعاني من هذه الازمات والصراعات، الا اننا وفي نهاية الدورة الثانية وعلى اعتاب الدورة الثالثة فانه لم يتم تشريع الا عدد محدود من هذه القوانين بل وظلت مواد مهمة مثل المادة 140 موضع نقاشات واجتهادات وتشكيل لجان ويتم تضمينها في كل مرة ضمن وثائق الشرف والاصلاح والعهود التي يتم تجاهلها ونسيانها بمجرد عودة الاطراف الى بيوتها.
ان هذا التصعيد ليس نزاعاً حول الواردات بل هو صراع الارادات التي يحاول طرف واحد ان يجعل كل الاطراف تسير على هواه وتنصاع لارادته المتسلطة في حكم العراق، وهذا ما لا يرضاه الكورد وخصوصاً قائدهم السيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم الذي يبقى الصوت العراقي الوحيد الذي كان وعلى مدى السنوات السابقة ينبه ويؤشر ويصرح ويبين لكل الذين يلتقيهم وفي كل مناسبة الى ضرورة العودة الى مرجعية الدستور العراقي وجوهر النظام السياسي العراقي الجديد الذي ولد بعد 9/4/2003 وهو النظام الاتحادي الفيدرالي التعددي القائم على مبادئ توزيع وتقسيم السلطة بين عدة سلطات وهيئات بحيث يمنع من تسلط وهيمنة اي سلطة او طرف على الآخر، والتي لا يمكن بناء العراق الا من خلال المؤسسات الديمقراطية وبناء الارضية المناسبة لخلق الحياة السياسية القائمة على مبادئ الحرية والديمقراطية والمشاركة، وليس على اساس القوة وفرض الرأي الغالب والتلويح بالقوة والسلاح وتحشيد القوات في كل بادرة نزاع او خلاف، والامثلة على ذلك كثيرة ومعروفة في المعالجات الخاطئة والقرارات الخطيرة التي اتخذتها حكومة المالكي والتي جعلتها تستحق وصف حكومة صناعة الازمات وليس حلها.
صراع الارادات في العراق اليوم هو بين ارادة الشر والهدم والتراجع الاقتصادي والفساد و نقص الخدمات وفقدان الامن والاستقرار والتفجيرات والصراع وجولات الحرب وقيادة قوات العمليات التي تحمل مختلف الاسماء وصورومظاهر انتهاك حقوق الانسان والجماعات حتى وصل الحال الى انتهاكات خطيرة ومخجلة ضد ابن البلد القريب واللاجئ او المقيم الغريب، وفضائح صفقات السلاح الروسية ومواد البطاقة التموينية والبسكويت التالف ، وارادة الخير والبناء والنمو الاقتصادي وبناء القدرات وتوفير الخدمات وتحصين اموال الناس وحياتهم بالامن والاستقرار والوضع المستقر الآمن المزهو بالبناء ومشاريع الاستثمار ومكانة ومركز الاقليم المحترم والمعترف به ليس على مستوى العراق فقط بل على المستوى الاقليمي والدولي وهو ما يمثله اقليم كوردستان وقيادته وحكومته وبرلمانه وشعبه الطيب المسالم الشجاع الغيور.
وأخيراً لا بد من الاشارة الى اهمية تصريح أحد النواب الكورد وقوله (ان تمرير الميزانية الاتحادية بدون موافقة الوزراء الكورد ودون الاستماع إلى الرؤية الكوردستانية ومحاولة فرض إرادتها على شعب كوردستان وحكومتهم أمر في غاية الخطورة والاستبداد وهو رسالة واضحة لشعب كوردستان وخاصة في هذا الوقت بالذات بأن اقتصاد كوردستان وحقوق شعبه ومصالحه لا تزال تحت التهديد، ولا بد ان يعيد شعب كوردستان (برلماناً وحكومة) النظر في علاقته مع النظام الحاكم فيه وتوجهاته التهميشية الاستبدادية واتخاذ موقف حاسم منها للمحافظة على كرامة شعب كوردستان وصيانة حقوقه وحرياته وضرورة توحيد المواقف الكوردية الوطنية في القضايا المصيرية للدفاع عن مكتسبات الثورات والانتفاضات والحركات الكوردستانية والمسؤولية النضالية والأخلاقية تحتم على جميع القوى السياسية والمؤسسات الرسمية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني في كوردستان أن تكثف نشاطاتها على المستويات كافة وتوحد جهودها وتتلاحم فيما بينها من أجل الصمود والتصدي لمحاولات قهر إرادة شعب كوردستان من قبل العقليات الأنفالية والاستبدادية ولتعمل على تصحيح المسار الخاطئ للحكومة الاتحادية ليكون الالتزام بالدستور من قبل جميع الاطراف وهو الالتزام الذي يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادةً).
مقالات اخرى للكاتب