العراق تايمز: وكالات: تقرير اياد عطية الخالدي..
ما ان تتخطى السيارة جسر الشهداء الشهير احد اقدم الجسور البغدادية حتى تجد نفسك امام بناية قديمة يحتضنها زقاق بغدادي قديم وتسورها اسيجة كونكريتية تخفي معالمها وبالكاد تظهر لافتة كبيرة تشير الى هيئة التقاعد، في هذه الهيئة التي تشهد زخما هائلا من المراجعين اغلبهم بطبيعة الحال من كبار السن.
بين طابور مزدحم يؤدي الى ممر طويل ذي فتحة يخضع قبلها المراجعون الى التفتيش وجدنا انفسنا في مهمة كلفنا بها رئيس تحرير "المجلة" وهي ان نعيش يوما في هذه الدائرة، من دون ان نفصح عن هويتنا.
الزخم الهائل من المراجعين والتدافع في ما بينهم عند ممري الدخول والخروج الضيقين هما اولى معاناة مراجعي هذه الهيئة وقد يعود السبب الى ان ذلك جزء من الحماية الامنية لاسيما وان الدائرة سبق ان تعرضت الى اعتداء ارهابي جبان.
سرقات تتكرر
ابو وسام رجل ستيني يمسك معاملته وبالكاد يسحب خطاه المتثاقلة، شدنا اليه صراخه المفاجيء وهو يتلمس جيبه فلايجد مبلغ ال 400 الف دينار فيه، مبلغ يقول ابو وسام هو كل مايملكه، تجمع حوله حماية الدائرة لنكتشف معاً ان جيبه تعرض الى القص بمقص يدوي من سارقين محترفين، هل تعرف اشكالهم لا اعرفهم اجاب ابو وسام قبل ان نستمع الى شهادات من مراجعين قالوا ان مشهد سرقة المراجعين سيما كبار السن هو مشهد يومي في دائرة تستقبل يوميا نحو ثلاثة الاف مراجع.
قصص متشابهة
بين الحين والاخر كان زميلي المصور حسين طالب يتصل بي وانا الذي تركته خارج البناية حتى لاتثير كاميرته ردود افعال غير طبيعية قد تؤثر على مهمتنا التي تستلزم معايشة طبيعية مع المواطنين الذين يراجعون الدائرة.
تجولنا في البداية نطالع وجوه منهكة تتوزع بين اماكن مخصصة لجلوسهم لكنها لاتستوعب الاعداد الكبيرة التي تغص بها اروقة الهيئة وهي عبارة عن مبنى قديم لايتناسب واهمية الدائرة وحجم مراجعيها.
اما الساحة التي يتجمع فيها المراجعون الذين تتشابه قصصهم ومكابداتهم ثمة مكبرة صوت كبيرة ينادي بها الموظفون على من يريدون مقابلته من المراجعين، وفي الغالب فأن فتحات صغيرة هي الوسيلة التي يتواجه بها هذا الحشد من المراجعين مع موظفي الدائرة.
بين ام عمار وهي امرأة كبيرة ترك الزمن اثاره على اخاديد وجهها وبين زوجة انهكها اللهاث من اجل الحصول على حقوق زوجها الشهيد بعدما ترك لها اربعة اطفال احدهم كانت حاملا به وهو الان صار بعمر ثماني سنوات، ومع ذلك لم تحصل على تقاعد يعينها ومابين التقاعد والمحكمة ورعاية الشهداء في مجلس المحافظة قصة طويلة ليس بوسع عائلة الشهيد عمار اختصارها، اخر محطة لهم في سبيل الحصول على راتب تقاعدي لابنهم الشهيد كانت في هيئة التقاعد ولغاية حديثنا كانت ارملة تراجع الهيئة على مدى شهرين.
اما ام احمد التي تعيل ثمانية اطفال فلاتختلف قصتها عن ام ايمن لكنها تحمل دائرة رعاية الشهداء التي ارسلت اسم زوجها خطأ الى هيئة التقاعد واحتاج تصحيح الاسم بين الجهتين الى شهرين من دون الوصول الى حل فقد اعيد اخر تصحيح بخطأ اخر.
تربوي متقاعد
بعد ان اوضحنا له مهمتنا قال احد المراجعين انا اسمي موجود بكل بيت فيه تلميذ يدرس الابتدائية، وبصراحة لااريد نشر اسمي فمعاملتي لم تكتمل برغم اني استعنت بصديق له اخت موظفة، نشر اسمي سيعقد متابعتي لمعاملة صارت معقدة وفيها اخطاء كثيرة وانا اراجع منذ اشهر بناء على مواعيد من الموظفين لكن دون جدوى.
اضاف انا مؤلف في كتب اللغة العربية والقراءة في المراحل الابتدائية ومع ان بلغت سن التقاعد فأنا لم احظ براحة منذ تقاعدي وهنا بصراحة يعاني الناس بل ان الكثيرين تهان كرامتهم، اسهل شيء على الموظفين، الصياح بوجه المراجعين مايدفع اغلب المراجعين الى البحث عن وسطاء ليحترموا انفسهم ويختصروا الوقت الطويل والروتين الممل في هذه الهيئة.
شكاوى المراجعين
بحثنا بين وجوه المراجعين عن وجه لايشعر بالاسى والتذمر لكن كل من صادفناه كان مهموما بمتابعة معاملته، كان علي ان اذهب مع سيدة نهرها بشدة احد الموظفين مادفعها الى الذهاب الى غرفة مجاورة لمكتب رئيس الهيئة خط على لافتتها عبارة (شكاوى المراجعين) كنت استمع لشكاوى المراجعين ولاحظت ان الموظف كان متعاطفا معهم، لكن شكاواهم من تعرضهم لاهانات ليست على قائمة الشكاوى المهمة.
انشغال
في المكتب الاعلامي جمعنا حصيلة مهمة من الاسئلة اردنا طرحها على السيد رئيس هيئة التقاعد لكن مديرة المكتب قالت انه مشغول ويمكنكم ترك طلبكم للمقابلة ورقم هاتفكم ونحن سنتصل بكم، حاولنا اقناع مديرة الاعلام بإننا لن نأخذ اكثر من بضع دقائق من وقت رئيس الهيئة وشرحنا لها مهمتنا لكن لم تتراجع قيد انملة عن موقفها، لكنها ارشدتنا الى موظف في نهاية ممر ضيق يتدافع فيه المراجعون قالت فقط أسالو عن ابو ادريس، وكان لابد ان نقف امام مشاجرة كبيرة تبادل فيها المراجع وهو ممثل للوزارة مع احد الموظفين الصراخ والاتهامات ولولا تدخل هنا وهناك لوصل حل الخلاف بالايدي ان لم يكن اكثر وسبب الشجار ان المراجعين تأخرت معاملتهم لان احد الموظفين قد خرج لامر ما من الدائرة ولم يكلف احدا بانجاز المعاملات بدلا عنه ما اثار غضب المراجعين وتساؤلهم ماذا لو حصل لهذا الموظف مكروه هل ستغلقون هذا القسم.
ظل صوت الصراخ يتعالى خلفنا وكنا نستمع اليه في غرفة ابو ادريس وهو موظف كبير في الهيئة استقبلني بمودة وانا اشرح له مهمتي في الدائرة وطلبي منه ان يجيبني عن تساؤلات مهمة، لكن الرجل اعتذر عن التحدث لوسائل الاعلام مالم يكلف من رئيس الهيئة، لكني شرحت له المعاناة والمكابدات التي يتعرض له المراجعون سيما وانهم بين من افنى عمره في خدمة الدولة او من سقط شهيدا كي ينعم العراقيون بالامن والسلام.
قلة الموظفين
الرجل تأسف لتاخر البعض كما قال هو ورفض ابو ادريس ماطرحه المراجعون من ان معاملاتهم تتاخر طويلا، كنت قد احتفظت بارقام عدد من المراجعين للتأكد من صدق كلامهم معي وبالفعل ناديت على احدهم ولكن المفاجأة ان مراجعا صار يخبر الاخر بان يراجع غرفة السيد ابو ادريس بعد ان همش على معاملة لاحداهن وتاكدنا معه من صدق حديثها وشكواها وبالفعل ساعد عدداً من المراجعين على انجاز معاملاتهم.
وبرر اسباب التأخر وتذمر الموظفين بانهم قليلو العدد بالنسبة الى المراجعين كما ان بعضهم نقل من دوائر كانوا فيها شبه عاطلين بينما وجدوا انفسهم اليوم في مكان يغص بالمراجعين ويحتاج انجاز اعمالهم الى جهود مضنية مؤكدا ان الهيئة وفروعها مازالت بحاجة الى نحو 600 موظف لتتمكن من انجاز معاملات المتقاعدين بشكل افضل، كل هذا الحوار مع الموظف ابو ادريس والوقت الذي امضيناه معه وهو يرفض رفضا قاطعا ان يعرفنا باسمه وموقعه وحتى يسمح لمصورنا الذي مازال هاتفي يستقبل اتصالاته كي يباشر عمله ويقوم بالتصوير داخل الهيئة، غادرنا ابو ادريس وشجار الممر مازال مستعرا، فيما ارتسمت ملامح الرضا والسرور على وجوه عدد من المراجعين اسهم وجودنا بإنجاز معاملاتهم.
رسوم: علاء كاظم
المصدر: مجلة الشبكة
