كانت طوابير المظلومين شاخصةً ابصارها لذاك المتلفع بالبُرد الوطني الرائع , ولا ندري أتموز آخر يحرق وجه الفجر ويرحل؟ .. ام يمكث ماشاء الله لنصمت, وكان الكون يتراقص في احداقهم الدامعة سنين عجاف لينساب على وجوههم الكالحة كنهر ساخن , وما ان وصل صاحبهم المبجل حتى ادار ظهره اليهم , ليرضي الجلادين والمتضررين من مقدمه الميمون , فايُّ خيبة اشد مرارة من الانتظار مجدداً بعد كل هذه المحن لمحارب جديد اكثر بسالة وعدلاً ومروءة!.
صدقوني لاحل لنا الا الاعتذار واعادة الامور الى نصابها ,لاننا لم نتفق على ان الليل مظلم وان النهار مبصر وان القاتل مجرم , وان في القصاص حياة لأولي الالباب , فكيف بنا والامور متشابكة, والحق اختلط بالباطل , او العكس لافرق فما عاد فينا نبي يفصح ولا رسول ينصح , ولا امام يشرح , وصوت القوة والبطش والهمجية هو السائد, وحمى المصالح الخاصة والكسب من مواخير السياسة الداعرة يعصف بنا بكرة واصيلا , والكذب والتدليس والافتراء وتحريف الكلم عن مواضعه من صفاتنا الحميدة ! وها نحن نشهد هذه الفترة الشجاعة القصوى في تاريخ العراق وكيف انقلبت الارانب الجبانة لاسود تفترس الجميع , وكيف تحولت الدواجن المستكينة لصقور جارحة تعانق الجبال في فضاء الاعلام الجرئ المقدام .
لنعتذر ياسادتي جميعنا للطغاة والسفلة والقوادين واللصوص , فهم طعم الدنيا وعطرها وافضل قادة لها في هذا الكون البائس السخيف , لنعتذر لهم بخنوع العبيد وبطاعة جنود الملك وبهيبة الامعات .. نعتذر عن كل اخطائنا وهفواتنا وتجاوزنا للخطوط الحمراء دون ادراك منّا لفداحة الجريمة التي نقترف!! لاننا لم نفهم حقيقة هذه الحياة السافلة كما فهموها هم , وفكوا شفرة طلاسمها ولم ندرك حروف ابجديتها وتفاصيل جسدها العاري من الطهر والشرف, ولم نفهم الا لغة السياط الموجعة ,ومفردات السقوط الاخلاقي , وكلمات البغي والظلم وهتك الحرمات, ولم نعهد الا نتانة العهر وبيع الاجساد الطرية للعابرين والسطو الماجد على بيوت الضعفاء,لاننا تعودنا الذل والمهانة والقهر وتطامن الانوف حدّ الخنوع ,والانبطاح المشرعن والاعتدال المخزي ,لنعتذر قبل ان نُباع في المزاد السياسي بسعر زهيد , فايُّ هذيان نتبنى في هذا التيه الحقير , وايّ غد نعد له احتفال بهيج , ونحن نقاد كالخراف السمان الى دكة المذبح الوطني, القومي , الطائفي الكافر ,و نهتف بحماس مجنون كأضاحي مخلصة وقانعة...عاش الوطن وعاشت سكاكين الوطن وعاش الشعب الواحد العظيم!! كللللوووووش , واحنه مشينه للحرب ,هذا العراقي , العراقي من يجن , يبجي ولا عايل يمس ذباحه , ذباحه, واحنه مشينه للحرب.
فالحياة الناعمة تورث الضعف والعجز والميوعة , والخير الوافر يسلب الرجولة والشجاعة , والامان يهب الخوف والجبن والخنوع ,فهل يعقل ان نتصارع من اجل هذه المكاسب الضارة والمفسدة , ونموت من اجل لاشي طالما ان النتائج ستأتي بتفاصيل وجزيئات ما رفضنا سابقاً , الا تتفقون معي ؟ بانه لاحل لنا الا الموت بالمفخخات او الموت من عزف السياط الشيطانية التي كانت تلهب ظهور آبائنا ومن ظنوا بلحظة ساذجة بانهم يقاتلون نيابة عن السماء والانبياء والمرسلين لاصلاح الواقع , الا تتفقون معي ؟ باننا اضعف من ان نحمي انفسنا واجبن من ان ندافع عن مستقبلنا , واغبى من ان نفهم مايدور حولنا!! أليس هذا هو الواقع؟ فلماذا يجب ان نموت ولدينا فرصة ذهبية للخضوع والبقاء على قيد الحياة مهانين ومسلوبي الارادة, وماذا نفعل بالارادة اذا لم تكن لدينا اهداف, ومن يدري ربما تتضاعف نسبة بقائنا احياء ان اتخذنا سبيل الانحناء والطاعة لاسياد الدنيا واساطينها!! فهل تتذكرون كيف كنا نسير في الشوارع كاشباح مطيعة وكيف ان رجل امن واحد يستطيع ان يصفع عشرة رجالاً مفتولي العضلات دون ان تتحرك شواربهم الكثة او حتى يسالوه لماذا؟ , هل تتذكرون كيف كنا نخاف الاقتراب من المصلين او من دور العبادة ؟ , وكيف نهرب من المتهمين بالعمالة للفرس "المجوس"! كالفئران ولو كانوا من ذوي القربى, وهل تتذكرون زوجات المعارضين التي تغتصب في المعتقلات دون ان تنتفض الرجولة الطافحة التي نراه اليوم!! وكم من النساء الحوامل وجدنا في طوامير اسيادنا وقادتنا المناسبون لعبيد أمثالنا , اما الان فالكل سيوف مجردة , واصوات عالية ووقحة في وجه العراق , واصبح اعتقال الارهابيات العاهرات عار اجتماعي لاجله تقام التظاهرات وتسقط الحكومات!! .
وها نحن نتصارع فيما بيننا كالعبيد الاصلاء في البحث عن فرعون جديد يسومنا سوء العذاب , فالحرية لم تمنحنا القدرة على قول الصدق, ولم تعطنا الديمقراطية حرية اختيار الافضل , اتفقنا على الصمت والخوف والانحناء كافضل العقلاء, ايام المجازر والمقابر والحفلات الوطنية في الشعبة الخامسة وابو غريب والامن العامة , واختلفنا في كيفية العيش بسلام في زمن الحرية, فهل نستحق الحرية التي لم توصلنا للسلام والمحبة والوئام!! تباً لها فهي صناعة امبريالية فاشلة, ومؤامرة يقودها الاستكبار العالمي لتدمير اخلاقنا وقيمنا الرصينة في حزّ الرؤوس المخالفة !!.
فلماذا نحن خائفون, وعلاما نحن قلقون وكل ما في ايدينا كلام , محض كلام , نأكل الكلام ونشرب الكلام ,نتعامل فيما بيننا بتجارة الكلام , ونهتف بالكلام , وننظّر بالكلام والحديث عن النفط كلام , والخيرات الوافرة كلام , والديمقراطية كلام , والحرية كلام, وكل مكتسباتنا وانجازاتنا وغلالنا النهائية من ليالي القهر والتعسف والانتظار كلام في كلام في كلام , أليس الاعتذار افضل الحلول واكثر جدوى من استمرار الخراب والموت الذي نصنعه بفرقتنا وهوسنا المجنون , نسيت ان اقول لكم بان الاعتذار ايضا كلام .. مجرد كلام.
مقالات اخرى للكاتب