خروج العراق مؤخراً من قيد الوصاية (الفصل السابع)، هو إعلان استقلال تام من احتلال أممي، فُرض بعد توقيع النظام المدان اتفاقات دولية أعقبت تحرير الكويت، ليضع البلد ضمن الإجبار بالتزاماته، وفق فقرات قانونية دولية من ميثاق الأمم المتحدة، تختص ببلدان جُعلت تحت الوصاية والرقابة، لأنها تشكل تهديداً للأمن والسلم العالميين.مجلس الأمن كان يفرض على العراق تنفيذ ما يمليه، عليه سواء، مع الكويت بمواصلة دفع تعويضات أودع منها بميزانية الأمم المتحدة مبلغ 40 مليار دولار إلى الآن، وعليه الاستمرار بإكمالها وبنسبة 5 بالمئة من صادراته النفطية، أو حتى ضمن ما يرغب به من اتفاقات مع الدول الأخرى، إذ يجد العراق نفسه مكرها بتقديم بيانات تفصيلية عن كل ما يخطط له دولياً، ليكون مكشوفاً أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن. وبسبب هذه الإجراءات وضع العراق كدولة في دوامة عطلت امكاناته الخارجية، وفق نظام العقوبات والعزلة التي فرضت عليه، وحرم خلالها من الاستثمار المالي غير المشروط ، وأي نشاط إقليمي أو دولي خارج إطار الرقابة الأممية، حتى بعد زوال نظام الطاغية، وانتفاء الحجج القانونية القاضية بإبقاء البلد تحت شروط هذه الرقابة، لكن تعقيدات قانونية روتينية، ومماطلات دولية، أدت إلى هذا التأخير الطويل، بنقل العراق من الفصل السابع الملزم وفق سلطة مجلس الأمن، إلى الفصل السادس غير الملزم، إلا بحدود ما تتفق عليه بغداد والكويت.
إن لخروج العراق من ربقة الفصل السابع أهمية استثنائية كبرى في الانفتاح على العالم من جديد، وبخاصة في التعاملات المالية والتجارية، التي كانت تقتضي وجود وسيط، مسببة هدراً مالياً كبيراً. أيضا سيكون لهذا التحرر أهمية في تحديد مسار علاقات العراق الدولية وبخاصة مع الدول العربية، وسيصبح من الواجب الوطني مراجعة هذه التجربة والنظر إليها بدقّة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ليس ما يدفعه العراق اليوم من تعويضات للكويت تخص ما سببه الغزو المشؤوم، بل إن الكويت رفعت في وقت سابق دعوى عن ديون سابقة في ذمة النظام الدكتاتوري السابق عن مساعدات مالية بقدر 20 مليار دولار، مُنحت للطاغية أثناء حربه على إيران، وصار لزاماً دفعها!. وتلك قضية أخرى تستحق المعاينة والبحث، لا لإيجاد حلّ لها، فقد سبق السيف العذل!، وانتهى كل شيء، ولكن من أجل مكاشفة ستكون حتماً. وبعيداً عن الاقتصاد وحساباته، وبنظرة عابرة إلى فائدة القرار الأخير وأهميته سنتكشف جانبا كارثياً من مأساة طويلة؛ فوزارة الصحة طالما طالبت بتعجيل إصدار القرار، لأن الكثير من الأدوية المستخدمة كانت محظورة، بحجة ازدواجية عملها، كذلك الكثير من تقنيات حديثة حرم منها بلد دفع أيام احتياجه لها، أرواح أبرياء لم يكن لهم من حول ولا قوة..لكن، ليكتب التاريخ الدولي والعربي!.
مقالات اخرى للكاتب